وائل كفوري يُطلق « راجعين ».. صرخة وطنية تُعيد الأمل
كتب: هاني سليم
في زمنٍ تتكاثر فيه الأزمات وتتبدّد فيه الآمال، يخرج الصوت اللبناني العابر للقلوب وائل كفوري ليُعلن بصوته العذب: “راجعين نِعمّر وطنّا”. بهذه العبارة المؤثرة، افتتح النجم الكبير حفلاته الصيفية، في واحدة من أبرز ليالي مهرجانات الأرز الدولية، حاملاً معه أغنية وطنية جديدة تُعيد الأمل في زمن اليأس، وتُذكّر اللبنانيين بأن العودة ممكنة، والوطن لا يزال يستحق المحاولة.
الأغنية التي اختار أن يُطلقها لأول مرة مباشرة أمام الجمهور، تحمل عنوان “راجعين”، وهي ليست فقط عملاً موسيقيًا، بل حالة وجدانية ووطنية خاصة، جمعت ما بين الشوق والانتماء، وبين الجرح والأمل، في قالب موسيقي مؤثر وموجّه لكل لبناني ترك وطنه أو شعر أنه فقده في زحام الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
“راجعين”.. من الغربة إلى الوطن

قصة الأغنية وكلماتها المؤثرة
كتب كلمات الأغنية الشاعر اللبناني المعروف منير بو عساف، والذي يُجيد دائمًا ترجمة مشاعر الناس إلى حروف حيّة، فيما تولّى التلحين والتوزيع الموسيقي بلال الزين، أحد أبرز الأسماء في الموسيقى اللبنانية الحديثة. أما الإنتاج فكان بمبادرة خاصة من وائل كفوري نفسه، بالتعاون مع شركة And Beyond، والتوزيع الرقمي تم عبر شركة Digital Sound.
تبدأ الأغنية بنغمة حنين مكسوّة بالحزن، حيث يقول وائل:
“من بعد ما فقدنا الأمل بوطن إلنا،
وعشنا بغربة عن وطنّا غصب عنّا…”
ثم ترتفع النبرة شيئًا فشيئًا، لتصل إلى ذروة الحماسة والتفاؤل:
“راجعين نِعمّر وطنّا، الوطن بحاجة إلنا
ومَنّو لواحد منّا، لبنان لكل ولادوا…”
كلمات الأغنية تسير في خط تصاعدي درامي، كأنها تُمثّل رحلة اللبناني المغترب من حالة الانكسار واليأس، إلى لحظة الوعي والتكاتف والقرار بالعودة، ليس فقط جغرافيًا، بل وجدانيًا وروحيًا.
افتتاح صيف لبنان: وائل كفوري يُلهب الأرز
اختار وائل كفوري أن يُطلق الأغنية لأول مرة من على خشبة مهرجانات الأرز الدولية، وهي من أعرق المهرجانات في لبنان، وتُعتبر رمزية جدًا من الناحية الوطنية والجغرافية والثقافية، لما تحمله من دلالة على الجذور والهوية والصمود.
وجاءت الليلة التي أحياها النجم وائل كفوري كلوحة لبنانية متكاملة، حيث تزيّن المسرح بآلاف الحضور الذين تجاوز عددهم 10 آلاف متفرّج، في حفل أعلنت إدارة المهرجان نفاد بطاقاته بالكامل قبل موعده بأيام، في مشهد يُجسّد تعطّش الجمهور اللبناني للفن الحقيقي والموسيقى التي تُشبههم.
وعندما صدح صوت وائل بأغنية “راجعين”، بدا المسرح وكأنه تحول إلى ساحة وحدة وطنية، حيث ردد الجمهور كلمات الأغنية بكل حماسة، ودمعت العيون فرحًا وحنينًا، وعلت الأصوات بالتصفيق والهتاف.
الفن في وجه الانهيار.. لماذا تأتي “راجعين” في الوقت المناسب؟
لبنان، الذي يمر منذ سنوات بأزمات معيشية وسياسية خانقة، يحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى إلى رسائل فنية تُعيد الناس إلى جذورهم.
وهنا تبرز أهمية أغنية “راجعين”، التي لا تحمل خطابًا سياسيًا، ولا تُقدّم شعارات فارغة، بل تذهب مباشرة إلى لبّ المشاعر الإنسانية: الحنين، الانتماء، الحزن، والتمسك بالأمل.
كفوري، المعروف بابتعاده عن المشهد السياسي، قدّم هنا عملًا وطنيًا لا يُمكن قراءته إلا بوصفه موقفًا إنسانيًا وأخلاقيًا، يُعبّر عن رغبة الملايين من اللبنانيين في العودة إلى وطن يشعرون فيه بالأمان والكرامة.
وائل كفوري.. فنان الأمل والوفاء
منذ بداياته، عُرف وائل كفوري بصوته الرومانسي وأغنياته العاطفية التي شكّلت وجدان أجيال، لكنه في “راجعين” أثبت أنه قادر أيضًا على الغناء للوطن بصدقٍ لا يقل عن صدق العاطفة، فهو يغنّي كما لو أنه يخاطب نفسه، وأهله، وأصدقائه، وكل من قال يومًا: “ما بقا إلنا مطرح”.
الأغنية ليست أول أعماله الوطنية، لكنه في هذه المرة قدّمها بلغة مختلفة، بعيدًا عن الشعارات، وبقرب شديد من وجدان الناس. وربما لهذا السبب لامست الأغنية قلوب المستمعين فور صدورها، وتحوّلت إلى “نشيد أمل شخصي” لكل من سمعها.
ما بعد “راجعين”… هل نشهد مرحلة جديدة في مسيرة كفوري؟
يرى بعض النقّاد أن “راجعين” قد تكون بداية مرحلة جديدة في مسيرة وائل كفوري الفنية، ليس فقط على صعيد الأغاني الوطنية، بل على مستوى الانخراط العاطفي الأعمق بقضايا الناس وهمومهم.
كما توقّع آخرون أن يُخصّص كفوري في ألبوماته القادمة مساحة أكبر للأغاني التي تحاكي الواقع اللبناني، تمامًا كما يفعل في “راجعين”، التي جاءت كإصدار مستقل عن ألبومه الأخير WK 25، لتُؤكّد أنه لا يزال يؤمن بقوة الأغنية الفردية إذا حملت رسالة صادقة.
“راجعين” ليست مجرد أغنية… بل وعد بالعودة
في زمن تنهار فيه الجدران، تأتي أغنية “راجعين” كجدار جديد يُبنى من الأصوات والأمل، وتُذكّرنا بأن الفن يمكن أن يكون مقاومة، والموسيقى قد تتحوّل إلى فعل وطني إذا خرجت من القلب ووصلت إلى القلب.
وائل كفوري، الذي كثيرًا ما أهدى جمهوره الأغنيات التي تعانق القلب، اختار هذه المرة أن يُهدي لبنان نفسه أغنية تليق بجرحه، وأملًا يُشبهه.
وربما حين نُردّد معه: “راجعين نِعمّر وطنّا”، نكون قد بدأنا، فعليًا، أول خطوة في طريق الرجوع.