وفاء وعرفان

بقلم_ عميد .. أ_ح ـ رءوف جنيدي

وفاء وعرفان : _

دموع تتراقص فى العيون . وقلب يترنح مذبوحا من الالم على لحن انين شجى يختلج به صدر هذا الزوج . الذى يعتصر الما وترقبا كله الحيرة والقلق . على جسد أهلكه العمر وأتت على شبابه الأيام . فيبدو أن الفراق آت . وهو لا محالة آت . فالأجل اذا جاء لا يستأخر ساعة ولا يستقدم . كما أنبأنا العليم الخبير . وكما تطلعنا قسمات وجه الزوج وملامح عينيه التى قطعت شوطا فى مراسم التأبين . وشاركت شخوص على وجهه فى موكب جنائزى حزين قبل أن يبدأ . وعادة لا تخيب الظنون فى مثل هذا العمر . فمن كان يشعر طيله حياته متى كانت تتراقص الحياة فى أوصالها . هو نفسه من سيعرف متى ستنسحب من على خشبة مسرحها . ومن كان يعرف طيلة حياته متى كانت تزداد ضربات قلبها سعادة . هو نفسه من سيعرف الآن انها آخذة فى التوقف . ومن كان يجلس تحت أنفاسها يشعر بأنس شهيقها ودفء زفيرها هو نفسه من سيعرف الآن أن الأنفاس بدت متلاحقة متعجلة _ تمهلى يا رفيقة العمر _ وكأنها أخبرته كم تبقى لها من أنفاس . وهو الوفاء فى أجل صوره . فما خبأت عنه شيئا ولا حجبت عنه قولا حتى فى بقايا العمر ……

يرمى الرجل بسهام نظراته مخترقا بإيلام وإيلاف عشرات السنين التى مضت . إيلام سنوات عجاف أتت على الأخضر منها واليابس . امتصت رحيق زهرتها وشذاها . وتركت له غلافا خالى الوفاض . واوراقا أبلاها الدهر تنبئ بقاياها عن نضارة كانت . وعبق كم عطر صدره وشرح فؤاده . ترقد اليوم فى صمت أمام عينيه بقايا أنشودة كم تغنى بحبها وعزف على اوتار قلبها لحن وفاءه . تلك الزهرة التى كم تشمم منها رائحة الوجود وعبق البقاء . عاش فى كنفها وبين حنايا أضلعها أجمل سنوات عمره . فكانت عروسه التى حلق معها فى آفاق الحب والحنان محمولا على أجنحة وجدانها . ملتحفا بشغاف قلبها . متهدهدا بكفيها اللتان سقياه الحب سقيا . وصبتا فوق رأسه الود صبا . كما تنبئ ملامح وجهها التى حملت السماحة والطيبة لسنوات طوال . ما بخلت فيها بوجدان وماضنت فيها بحب . وإيلافا منه لربيع عمرها وبعد أن بثت له من نفسها الطاهرة رجالا كثيرا ونساءا وزينت حياته بزينة الحياة الدنيا من بنين وحفدة …

يعرج الرجل بنظراته على درجات عمرها وسنواته … متأملا كل محطات سخآءها . دارت أمامه الآن ماكينة عطاءها مدوية بهدير العرفان الذى يعلو فى أذنيه مع كل مولود من أبناءه …… كم حملت وهنا على وهن … كم وضعت كرها وعذابا … كم أرضعت من رحيق عافيتها … كم فطمت وتحملت آلام فطام وليدها … كم سهرت ليالى تؤنس القلٍق من أبناءها . وتهدهد النائم منهم . وتطبب المريض . وتنتظر الغائب . وتودع المسافر … ياله من عطاء لا يضاهيه عطاء . وكيف يرد عليه الزوج الا بدموع عينيه وملامح وجه يعترف معلنا عرفانه بطيب عشرتها …

ويعرج الرجل بنظراته فوق جسدها المنهك بعد أن أعطى كل ما لديه . فازداد قدسية فى نظره . يزين جسدها وجها بشوشا وقلبا عامرا برضا الله وتقواه . وذكره الذى تنطق به حبات مسبحتها التى تتدلى من خلفها شاهدة على نورانية الروح . وبركة أصابعها التى كم انسابت بينها حبات هذة المسبحة .. مسبحة ربها ثلاثا وثلاثين . حامدة ربها ثلاثا وثلاثين . مكبرة ربها ثلاثا وثلاثين . بعد أن أدت فرض ربها وفرض أبناءها وأحفادها على مدار عمرها الذى ولى . ومازالت حتى الآن تؤنس وحشة زوجها بأنفاسها الدافئة . وتشيع الأمل فى غرفتها بضربات قلبها الحانية ودعواتها التى لا تنقطع لزوجها …الا يضل من بعدها ولا يشقى . والا يجوع من بعدها ولا يعرى . والا يظمأ من بعدها ولا يضحى . وما العجب وهى قبس من رحمة الله فى الأرض .

أماه : قسما بحنايا أضلعك التى احتضنت .. قسما بضربات قلبك التى هدهدت .. قسما بثنايا كفيك التى أعطت .. قسما بجوارحك الذى دعت وابتهلت . قسما بأصابعك التى سبحت وكبرت ..قسما بطيب ريحك الذى يملأ المكان عبقا وعطرا . لو جاءتك الدنيا راكعة تحت قدميك ما وفتك حقك .. ولو بوسعنا لأهديناك الشمس والقمر ولكنهما بحسبان …

نعم : من آيات الله أن خلق لنا من أنفسنا أزواجا لنسكن إليها وجعل بيننا مودة ورحمة .. وها هى المودة والرحمة تتجلى فى أروع صورها … زوجة حنون أعطت فأجزلت العطاء .. وزوج حان تحمل نظراته كل معانى الود والعرفان … فاللهم هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ..
فيا كل زوج ….. نظرة وفاء وعرفان .

44598611_1969439143138545_7322083529238511616_n

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.