وقفات مع نشأة التاريخ الهجرى ▪️بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى

▪️ وقفات مع نشأة التاريخ الهجرى

▪️بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى

▪️ مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

كانت العرب في الجاهلية، وفي صدر الإسلام لا تعرف التأريخ بالسنين، فكانت تؤرخ بالأحداث، فتقول مثلاُ: عام الفجار، عام الفيل، بعد البعثة بسبع سنوات، عام هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، بعد بدر الكبرى بعام … وهكذا.

كانت العرب تؤرخ بالشهور القمرية فتعرف مدخل الشهر ومخرجه بعلامته الظاهرة، وكانت تقسم السنة اثني عشر شهرًا، وهي: المحرم، وصفر، وربيع الأول، وربيع الثاني، وجمادى الأولى، وجمادى الثانية، ورجب مضر، وشعبان، ورمضان، وشوال، وذو القعدة، وذو الحجة.

لم يكن للعرب مبدأ سنة، فلم يعرفوا أن مبدأ السنة مثلاً شهر المحرم؛ لأنهم لم يكونوا يؤرخون بالسنين.

كانت العرب تجعل من أشهر العام أربعة أشهر حرم فتحرم فيه : القتال، والعدوان، والإغارة، وقطع الطريق .

فكانت هدنة يتمكن فيها الناس من السفر للتجارة وللحج والعمرة ولا يخافون أحدًا، وقد كانت تعظمها العرب جدًّا، حتى إن الرجل كان يلقى قاتل أبيه فيها فيعرض عنه.

وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم ثلاثة أشهر سرد، وشهر رجب وهو شهر فرد.

قال الله تعالى:

{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36].

كانت بعض العرب في الجاهلية إذا أرادت أن تنتهك حرمة الشهر الحرام أخروا شهر المحرم إلى شهر صفر فيستبيحون القتال في شهر الله المحرم .

وقد قال الله فيهم :

{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [التوبة: 37].

توفي النبي صلى الله عليه وسلم ومضت خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وليس للعرب تأريخ بالسنين.

بعد مضي ثلاثة أعوام من خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أي: في العام السادس عشر للهجرة جاءه من أميره على البصرة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه كتاب يقول فيه :

إنه يأتينا كتابك في شهر شعبان ولا ندري أهو شعبان هذا العام أم العام الماضي فأرخ لنا.

فجمع عمر رضي الله عنه الصحابة واستشارهم في وضع تأريخ إسلامي فأشار بعضهم لمولد النبي صلى الله عليه وسلم ليكون مبدأ التاريخ، وأشار بعضهم بمبعثه صلى الله عليه وسلم ليكون مبدأ التاريخ الإسلامي، وأشار بعضهم بموت رسول صلى الله عليه وسلم وأشار علي، وعمر ـ رضي الله عنهما ـ بمهاجره صلى الله عليه وسلم ليكون مبدأ التاريخ الإسلامي .

وقال لهم عمر رضي الله عنه : إن الله تعالى فرق بمهاجره بين الحق والباطل، وقد أصاب رحمه الله تعالى فقد سمى الله الهجرة نصرًا، وجعل به كلمة الإسلام هي العليا .

قال الله عزوجل:

{إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}

[التوبة: 40].

جاء بيان مبدأ التأريخ الهجري عند ابن شيبة (33952) عن الشعبي قال:

كتب أبو موسى إلى عمر أنه يأتينا كتب ما نعرف تأريخها فأرخ.

فاستشار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:

فقال بعضهم: أرخ لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال بعضهم: أرخ لموت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال عمر: أرخ لمهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين الحق والباطل فأرخ».

ورواه البخاري في تاريخه الصغير (1 /15): عن سعيد بن المسيب قال عمر: متى نكتب التاريخ؟

فجمع المهاجرين فقال له على: من يوم هاجر النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة، فكتب التاريخ.

ورواه الحاكم في المستدرك، (4287) عن عثمان بن عبيد الله أبي رافع قال:

سمعت سعيد بن المسيب يقول: جمع عمر الناس فسألهم من أي يوم يكتب التاريخ؟

فقال علي بن أبي طالب: من يوم هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك أرض الشرك.
ففعله عمر رضي الله عنه .

اختلف الصحابة على تحديد الشهر الذي تبدأ به السنة فأشار بعضهم بأن تبدأ بشهر رمضان، وأشار بعضهم أن تبدأ بشهر الله المحرم لأنه منصرف الناس من حجهم فاختاره عمر رضي الله عنه .

وبدأ التأريخ الهجري بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم فعدوها السنة الأولى في تاريخ دولة الإسلام وهي توافق عام : 622 م وما قبلها فإنهم يأرِّخونه بالبعثة فيقولون: السنة الأولى للبعثة، السنة الثانية للبعثة … وهكذا.

اعتمد التأريخ الإسلامي في العام: السابع عشر (17) لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة عمر رضي الله عنه وكان أول تأريخ به.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.