وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ

وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ

بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى

مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

الْأَصْلُ فِي الزَّوَاجِ اسْتِمْرَارُ الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ ، وَقَدْ شَرَعَ اللهُ تَعَالَى أَحْكَامًا كَثِيرَةً وَآدَابًا جَمَّةً فِي الزَّوَاجِ لِاسْتِمْرَارِهِ وَضَمَانِ بَقَائِهِ إِلَّا إِنَّ هَذِهِ الْآدَابَ قَدْ لَا تَكُونُ مَرْعِيَّةً مِنْ قِبَلِ الزَّوْجَيْنِ فَيَقَعُ التَّنَافُرُ بَيْنَهُمَا حَتَّى لَا يَبْقَى مَجَالٌ لِلْإِصْلَاحِ ، فَكَانَ لَا بُدَّ مِنْ تَشْرِيعِ أَحْكَامٍ تُؤَدِّي إِلَى حَلِّ عُقْدَةِ الزَّوَاجِ عَلَى نَحْوٍ لَا تُهْدَرُ فِيهِ حُقُوقُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مَا دَامَتْ أَسْبَابُ التَّعَايُشِ قَدْ بَاتَتْ مَعْدُومَةً فِيمَا بَيْنَهُمَا .

الطَّلَاقُ وَهُوَ حَلُّ الْوِثَاقِ أى حَلُّ عُقْدَةِ التَّزْوِيجِ .

وَالطَّلَاقُ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ .

فَقَدْ قَالَ تَعَالَى :

{الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}

[البقرة: 229].

وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ :

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}

[الطلاق: 1]

حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِعُمَرَ :

لِيُرَاجِعْهَا ، فَإِذَا طَهُرَتْ فَإِنْ شَاءَ فَلْيُطَلِّقْهَا .

وَأَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ عَلَى جَوَازِ الطَّلَاقِ وَمَشْرُوعِيَّتِهِ .

#حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهِ :

شُرِعَ الطَّلَاقُ لِأَنَّ فِيهِ حَلًّا لِلْمُشْكِلَاتِ الزَّوْجِيَّةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ ؛ وَبِخَاصَّةٍ عِنْدَ عَدَمِ الْوِفَاقِ وَاسْتِمْرَارِ الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ .

#حُكْمُ الطَّلَاقِ :

إِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ لِأَنَّهُ حَلُّ قَيْدِ النِّكَاحِ .

حُكْمُ الطَّلَاقِ تَجْرِي فِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ :

وَاجِبًا ، وَحَرَامًا ، وَسُنَّةً ، وَمَكْرُوهًا ، وَمُبَاحًا .

وَالْأَصْلُ الْكَرَاهَةُ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ يَعْنِي يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا يَطَأُهَا قَالَ:

{فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}

فَفِي الطَّلَاقِ قَالَ :

{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}

وَهَذَا فِيهِ شَيْءٌ مِنَ التَّهْدِيدِ .

لَكِنْ فِي الْفَيْئَةِ قَالَ :

{فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ غَيْرُ مَحْبُوبٍ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَّ الْأَصْلَ الْكَرَاهَةُ .

وَأَمَّا حَدِيثُ:

أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللهِ الطَّلَاقُ .

فَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَا يَصِحُّ

الطَّلَاقُ يُبَاحُ لِلْحَاجَةِ أَيْ : حَاجَةِ الزَّوْجِ فَإِذَا احْتَاجَ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ مِثْلَ أَلَّا يَسْتَطِيعَ الصَّبْرَ عَلَى امْرَأَتِهِ ، مَعَ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَشَارَ إِلَى أَنَّ الصَّبْرَ أَوْلَى فَقَالَ :

{فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}

[النساء: 19]

وَقَالَ ﷺ :

لَا يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا خُلُقًا آخَرَ .

لَكِنْ لَا يَتَمَكَّنُ الْإِنْسَانُ مِنَ الْبَقَاءِ مَعَ هَذِهِ الزَّوْجَةِ ، فَإِذَا احْتَاجَ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى :

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}

[الطلاق: 1]

وَقَالَ :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}

[الأحزاب: 49]

وَلِأَنَّ الَّذِينَ طَلَّقُوا فِي عَهْدِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَكُنْ يَنْهَاهُمْ عَنْهُ ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمَنَعَهُمْ ، وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَاسْتَفْصَلَ مِنْهُمْ .

وَهَذَا مِنْ حِكْمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَكَانَ مَا جَاءَ بِهِ الْإِسْلَامُ هُوَ الْحِكْمَةُ وَالرَّحْمَةُ وَإِلَّا فَإِلْزَامُ الْإِنْسَانِ بِمُعَاشَرَةِ مَنْ لَا يُحِبُّ مِنْ أَصْعَبِ الْأُمُورِ .

وَيُكْرَهُ الطَّلَاقُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ فَمَعَ اسْتِقَامَةِ الْحَالِ يُكْرَهُ فَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى :

{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}

فِيهِ الْإِيمَاءُ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ اللهِ .

وَالطَّلَاقَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ تَشَتُّتُ الْأُسْرَةِ وَضَيَاعُ الْمَرْأَةِ وَكَسْرُ قَلْبِهَا لَاسِيَّمَا إِذَا كَانَ مَعَهَا أَوْلَادٌ ، أَوْ كَانَتْ فَقِيرَةً أَوْ لَيْسَ لَهَا أَحَدٌ فِي الْبَلَدِ فَإِنَّهُ يَتَأَكَّدُ كَرَاهَةُ طَلَاقِهَا وَرُبَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ضَيَاعُ الرَّجُلِ أَيْضًا فَقَدْ لَا يَجِدُ زَوْجَةً ثُمَّ إِنَّهُ إِذَا عُلِمَ أَنَّ الْإِنْسَانَ مِطْلَاقٌ فَإِنَّهُ لَا يُزَوِّجُهُ النَّاسُ فَلِعِلَلٍ كَثِيرَةٍ نَقُولُ إِنَّهُ يُكْرَهُ .

وَيُسْتَحَبُّ الطَّلَاقُ لِلضَّرَرِ أَيْ ضَرَرِ الْمَرْأَةِ فَإِذَا رَأَى أَنَّهَا مُتَضَرِّرَةٌ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَلَوْ كَانَ رَاغِبًا فِيهَا .

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.