وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا
وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا
بقلمي / اسلام العيوطي
الكُتَّاب والدور الهام الذي صنعه معي..
من فضل الله تعالى وتوفيقه أن جعلني أبواي أذهب إلى الكُتَّاب منذ نعومة أظافري، وأنا الطفلة التي لم تتجاوز سن الخامسة
وقد سعدت أيما سعادة بذهابي إلى الكُتَّاب، وذلك لأن الشيخ الذي كان يحفظني القرآن الكريم كان حريصًا كل الحرص على تفسير الآيات، فليس من الضروري أن تتعجل الحفظ وأنت لا تعي ما تحفظ، وقد ورد في كتاب الله تعالى ما يحثنا على التدبر في أكثر من موضع، فقال تعالى: “أفلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ولَوْ كَانَ من عند غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا”. سورة النساء الآية (٨٢)
وقال تعالى: “أفلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ على قُلُوبٍ أقفالها”. سورة محمد الآية (٢٤)
ولأننا كنا صغارًا على استيعاب التفسير، فكان شيخي يحكي لنا قصصًا من القرآن الكريم بصورة مبسطة تجذب السامع، وتجعله يسبح بخياله في عوالم أخرى لم يكن يراها من قبل.
ليرتشف منها ببطء ما ينبت بتلات عمره فيورق ويثمر، فتمطر سحائب اللهفة الساكنة في أعماق الفؤاد وتقول: هل من مزيد؟
بالإضافة إلى ما يحدثه القرآن من تأثير جلي على صاحبه، فما رأيت بليغًا إلا وهذبه القرآن، فمنحه عزة وأضاف إليه بلاغة وحسن منطق وطلاوة لسان وصدق بيان.
لقد جمع القرآن الكريم العرب وهم أرباب قلم وبلاغة على لغة القرآن، فتخلوا عن لهجاتهم لعظم المتخلى من أجله.
جِيلٌ بِغيرِ عَقيدةٍ يمثل عقولًا بلا هوية:
وأنا أقلب في سواتر الذكريات أندم أشد الندم على تركي للكُتَّاب من أجل الاهتمام بالدراسة، فقد حصدت المركز الأول في المرحلة الابتدائية على مدرستي، وتنوعت قرآتي في هذه الفترة بين قصص الأطفال وقصص القرآن وبراعم الإيمان.
وكذلك واصلت التفوق في المرحلة الإعدادية، لكن الأمر بات يؤرقني فصنعت لنفسي وردًا من القرآن، وكنت أميل لقراءة الكتب الدينية، فقرأت كتاب الروح للإمام ابن القيم الجوزية وعمري أربعة عشر عامًا، كما قرأت كتاب زيارة للجنة والنار وحوار مع صديقي الملحد للدكتور مصطفى محمود، ورجال حول الرسول للأستاذ خالد محمد خالد.
وكنت أميل لحفظ الشعر الذي أدرسه حتى وإن كنت غير مطالبة بذلك، لكنني أحببت فن الإلقاء.. وهذا ما دفعني لأن أحفظ القصائد حتى وإن كانت طويلة، وتنوعت تلك القصائد، فمنها لأمير الشعراء أحمد شوقي، ولشاعر النيل حافظ إبراهيم، وشاعر المهجر جبران خليل جبران، وشاعر الجيل آنذاك الشاعر فاروق جويدة، وغيرهم الكثير.
وما كنت لأبدع في الكتابة إلا بفضل الله وعونه وتوفيقه ثم الكُتَّاب، وإذا كان بعض الناس ينعمون ببيئة تجعل سبيلهم إلى الكتابة ممهدًا وميسرًا دون عناء، فنجد أشهر الكُتَّاب أمثال المنفلوطي وطه حسين، والعقاد والرافعي وغيرهم، ممن تتلمذوا على مأدبة القرآن.
وكانت أول مراحل تعليمهم في الكُتَّاب، الذي صنع ولا يزال يصنع العظام أرباب الفكر والقلم ممن استقوا فارتقوا بعقولهم وأقلامهم،
ونحن نمضي متأهبين للحظة الغسق أتذكر أن استشهادي ببعض الآيات القرآنية كان له أثر كبير في نفوس من أحاورهم أو أتحدث معهم حديثًا عابرًا.
وقد استوقفني ذات مرة الإعلامي الكبير الأستاذ تهامي منتصر ليسألني: هل كنتِ في الكُتَّاب وأنتِ صغيرة؟.
فأجبته:
نعم.
فقال:
هذا ما جعلكِ تحسنين السرد وتبدعين في الكتابة.
فالسلام على أرواح رحلت من بيننا، ولكنها تركت بداخلنا أثرًا يُقتفى، ومثلا يُقتدى ويحتذى به، ونهجًا يعلو بنا لنسمو بأخلاقنا.
وكي نكون جديرين بفضل تربيتهم لنا على القرآن والسُّنة وهدي خير الأمة.
وبذلك استطاعوا أن يبنوا جدار أرواحنا من لبنة قوية تقاوم الكسر والانحناء عبر عثرات الزمن.