وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ

وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ

 

بقلم: د. رحاب أبو العزم

 

*رجب والأشهر الحُرُم*
لقد اصطفى الله تعالى من البشر الأنبياء والرُسُل، واصطفى من بينهم سيد المرسلين وخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، واصطفى سبحانه من الأماكن أم القرى وجعلها مباركة معظمة، واصطفى من بين المساجد المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى؛ فصارت الصلاة مضاعفة في كل منهم، واصطفى سبحانه من الشهور الأشهر الحُرُم؛ يُضاعَف فيها العقاب، وتُضاعَف فيها الحسنات، ويرتقي العمل الصالح بصاحبه إلى أعلى الدرجات، ويُصب على مرتكب الذنب فيها أشد الغضب والسخط؛ وذلك لأن من تمام تقوى الله تعالى تعظيم حُرُماته سبحانه.
*تتقلب الأيام والأحوال*
تمر بنا الدقائق والثواني وتتقلب الأحوال بصورة مذهلة، نَفَس يخرج ولا ضامن لعودته، ونفس يدخل ولا ضامن لخروجه، أناس بكامل صحتهم يموتون بين يديّ أصحاء البدن والعقل، ولا يبقى إلا العمل الصالح، وتبقى عقوبة الله وعذابه في صورة واضحة ومن لم يتعظ فميؤوس منه وانتهى أمره إلى الله تعالى؛ وكم من غاصب لأموال اليتامى ضاعت أمواله بين الأدوية والعلاج وذل المرض، وكم من آكل لأموال الناس بالباطل ضاعت أمواله بين الخمر والمخدرات، وكم من قاطع رحم تقطعت أشلاؤه في حريق أو حادث، وكم من ساقٍ للشر بين الأحباء للإيقاع بينهم فسقاه الله الهوان والذل، وأكثر من هذه الصور يراها ويعيشها كثير منا ولا رادع ولا عظة ولا تأمل رغم وقوع التقلبات الحياتية أمام أباصرنا إلا أن بعض البصيرة قد انطفأ نورها. ويأتي شهر رجب بعظيمه وقوة حرمته ليهيئ القلوب والضمائر طريقها إلى التقوى؛ وإن لم تستعد القلوب لاتقاء حرمات الله، وإن لم تتهيأ القلوب لتعظيم شعائر الله في رجب -إحدى الأشهر الحُرُم- فمتى ستستعد؟ ونحن نلمح النسمات الرمضانية وقد اقتربت.
*فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ*
نهى الله تعالى عن ظلم النفس بارتكاب المعصية والذنب كبيره وصغيره، والنهي آكد في الأشهر الحُرُم لتعظيم أيامها عند الله تعالى، ولقد أمرتنا عقيدتنا بتعظيم ما عظم الله تعالى. من مات له غال فليتصدق وليدعو له في هذه الأيام المباركة، من قطع رحم فليصلها، من أخذ مال الناس بالباطل فليردها إليهم، من انتوى عملًا صالحًا فليؤده في تلك الأيام التي يجزل فيها المولى خير الثواب. ليس من الفطنة أن نرى تقلب الأحوال وتقلب الأيام بالبشر ونُصر على الظلم والافتراء؛ فإن لم نتعظ بموت غال فمتى نتعظ، وإن لم نتعظ بمرض من كان بالأمس القريب في كامل بهائه فمتى نتعظ؟ وإن لم نتعظ بجنون من كان أذكى أصحابه فمتى نتعظ؟ وإن لم نتعظ بفيروس لا نراه وقد أوقف اقتصاد بلاد غنية وانهارت به خططًا عالمية، وتغيرت بسببه أنظمة دولية، وضاعت به آمالًا وطموحًا بشرية فمتى نتعظ؟ وإن لم نقيم أنفسنا ونعظم حُرُمات الله في الأشهر الحُرُم فمتى نقيمها؟

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.