فصاحة جارية بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى
فصاحة جارية بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى
حكي عن عبدالله النميري أنه قال كنت يوما مع المأمون وكان بالكوفة فركب للصيد ومعه سرية من المعسكر ..
فبينما هو سائر إذ لاحت له طريدة فأطلق عنان جواده وكان على سابق من الخيل، فأشرف على نهر ماء الفرات.
فإذا هو بجارية عربية خماسية القد (طولها 5 أشبار) كأنها القمر ليلة تمامه وبيدها قربة قد ملأتها ماء وحملتها على كتفها وصعدت من حافة النهر فانحل وكاؤها (رباط القربة ونحوه) فصاحت برفيع صوتها:
يا أبت أدرك فاها, قد غلبني فوها، لا طاقة لي بفيها .. !
قال: فعجب المأمون من فصاحتها فرمت الجارية القربة من يدها.
فقال لها المأمون: يا جارية من أي العرب أنت؟
قالت: من بني كلاب.
قال: وما الذي حملك على ان تكوني من الكلاب؟
فقالت: والله لست من الكلاب وإنما أنا من قوم كرام غير لئام يقرون الضيف ويضربون بالسيف.
ثم قالت: يا فتى من أي الناس أنت؟
فقال: أو عندك علم بالأنساب؟
قالت: نعم.
قال لها: أنا من مضر الحمراء.
قالت: من أي مضر؟
قال: من أكرمها نسبا وأعظمها حسبا وخيرها أما وأبا ممن تهابه مضر كلها.
قالت: أظنك من كنانة؟
قال: أنا من كنانة.
قالت: فمن أي كنانة؟
قال: من أكرمها مولدا وأشرعها محتدا (أصلا) وأطولها في المكرمات يدا ممن تهابه كنانة وتخافه.
فقالت: إذن أنت من قريش؟
قال: أنا من قريش.
قالت: من أي قريش؟
قال: من أجملها ذكرا وأعظمها فخرا ممن تهابه قريش كلها وتخشاه.
قالت: والله انت من بني هاشم.
قال: أنا من بني هاشم.
قالت: من أي هاشم؟
قال: من أعلاها منزلة وأشرفها قبيلة ممن تهابه هاشم وتخافه.
قال: فعند ذلك قبلت الأرض وقالت:
السلام عليك يا أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين..
قال: فعجب المأمون وطرب طربا عظيما وقال: والله لأتزوجن بهذه الجارية لأنها من أكبر الغنائم.
ووقف حتى تلاقته العساكر فنزل هناك وأنفذ خلف أبيها وخطبها فزوجه منها وأخذها وعاد مسرورا وهي والدة ولده العباس ..
من كتاب (المستطرف في كل فن مستظرف)..
📘 يبدو أن القصة وردت في كتب الأدب بصيغ متنوعة، ولعل ذلك راجع إلى تعدد الوقائع..
وما أذكره من رواية هذه القصة هو ما رواه الأمير أسامة ابن منقذ في كتابه (لباب الآداب):
قال:
▪️وقد روي عن الأصمعي رضي الله عنه قال:
اجتزت ببعض أحياء العرب، فرأيت صبية معها قربة فيها ماء وقد انحل وكاء فمها.
فقالت: يا عم، أدرك فاها، غلبني فوها، لا طاقة لي بفيها.
فأعنتها، وقلت: يا جارية، ما أفصحك!
فقالت يا عم، وهل ترك القرآن لأحد فصاحة؟
وفيه آية فيها خبران وأمران ونهيان وبشارتان!
قلت: وما هي؟
قالت: قوله تبارك وتعالى: ((وأوحينا إلى أم موسى: أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني، إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين)).
قال: فرجعت بفائدة، وكأن تلك الآية ما مرت بمسامعي!)..