من حفظ المتون حاز الفنون
بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي
مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
الرد على كلام فضيلة الشيخ الحبيب مصطفى العدوي بخصوص ( عدم حفظ المتون ) حيث قال : أن المتون كلها مذهبية، وأن حفظها فيه مشقة، ويبعد الطالب عن الاهتمام بالكتاب والسنة، أو نحو ذلك ! فأقول وبالله التوفيق: –
إن دعاوى التهوين بأمرِ الحفظ هي دعاوى للانسلاخ عن طريق علماء الأئمة وأئمتها من الحفاظ والفقهاء الذي اعتنوا بالحفظ والفهم معًا دون انتقاصٍ لأحدهما.
ولقد جاءت النصوص في القرآن الكريم والسنة النبوية تحث على الحفظ والفهم، وترغّب فيهما.
قال العلامة القاسمي: وبعد حفظ القرآن يحفظ من كل فنٍّ مختصرًا .
– ومن كان ضابطًا لمهمات مسائل الفنّ فلا ضرورة لحفظ متن. لأن المقصد الأهم من حفظ المتن هو سرعة استحضارهم للمسائل واستذكارهم لها، وإن كانت ثمَّت مقاصد أخرى كتقوية القدرة على التعبير بلغة أهل الاختصاص من الفقهاء أو المحدثين أو الأصوليين أو غيرهم بحسب المتن، كما أنَّها تساعد على بناء تصور شامل لذلك الفنّ؛ إلا أنَّ هذه الأمور يمكن حصولها من خلال دوام المدارسة والاطلاع، ولذا فمن وجد نفسه ليس بحاجةٍ إلى حفظ المتون العلمية لضبطه أصول العلم ومهماته فليستفرغ همّته وجهده في الفهم وإعمال الفكر لتطوير الملكة فهذا أنفع له وأحفظ لوقته.
– وإذا عجز الطالب عن حفظ متنٍ كاملٍ فليأخذْ منه ما يحتاجه. فمن لم يستطع حفظ المتن أو النظم كاملًا، فليقتصرْ منه على المواضع التي تضمَّنتِ الشروط والأركان والضوابط، وليتركْ المقدمة والخاتمة ونحو ذلك مما لا تشتدُّ الحاجة . قال الشيخ العدوي حفظه الله : يكفي حفظ الأحاديث، فإن فيها الأحكام !
وهذا كلام خطأ متفق عليه عند العلماء جميعا، حيث إن الرجل قد يبلغ الباع الطويل في الحديث بل قد يصل الى درجة (الحافظ) وهو ضحل الفقه، قال الذهبي في تاريخ الاسلام : سعيد بن عثمان التجيبي كان ورعا زاهدا حافظا بصيرا بعلل الحديث ورجاله، ولا علم له بالفقه . وقال سفيان بن عيينة: الحديث مَضِلَّة إلا للفقهاء.
أخيرا أقول : – المتون هي التي تجمع العلم في رأس الإنسان فيستطيع أن يستحضر ما يشاء بسهولة! – والمتون هي التي تضمن للإنسان أن لا يفته شيء من أصول العلوم!
– والمتون هي التي تفرق بين الطالب الذي يشتغل بالفروع بغير تأصيل وبين صاحب التأصيل الأصيل! – والمتون هي التي تختصر عليك أعماراً بَذَلَها من قبلك علماؤنا حتى أتوك بالزبدة والخلاصة التي تحتاج أنت إلى أضعاف أضعاف عمرك حتى تحصلها وحدك! – والمتون هي التي تبقى معك بعد سنوات طوال من القراءة في كتب لا تلبث أن تنساها!
– والمتون هي التي تجعلك واثقاً من كلامك في مجلس المدارسة والمناظرة، فيسلم لك المؤالف والمخالف! – والمتون هي التي تجعل لكلامك حلاوة وطلاوة، فيكون له وقع عند العامة والخاصة!
– والمتون هي الشهادة التي لها قيمة حقيقية في زمن كثرت فيها شهادات الزور! – والمتون هي الأساس الذي تستطيع أن تسقيه كل ما تحصله من ماء العلم الطيب فيرسخ في ذهنك، بدلا من وضع هذا الماء في قيعان لا أصل لها فلا يكاد يبقى منه شيء! أما الذي يقول: لم يفعله الصحابة!
فنقول له: – إذا فتحت كتابا واحدا من كتب أهل العلم فأنت كاذب أفاك! لأنهم لم يفتحوا الكتب! – وإذا لم تكن عربيًّا سليقياً قُحًا فأنت مُدَّعٍ مُبطِل! لأن جلهم كانوا عربًا أقحاحاً! – وإذا لم تخبرنا كيف عرفت ذلك من الصحابة من غير الكتب فأنت متناقض متضارب! – وإذا لم تعرفنا كيف نطلب العلم من غير كتب أهل العلم فأنت جهول ظلوم! ولهذا كله كان علماؤنا الأجلاء يوصون بحفظ المتون، ويقولون دائما:
سؤال وجواب على بعض الأحكام الشرعية (الطهارة _ الصلاة _ السهو في الصلاة) “من حفظ المتون حاز الفنون”.