خلال مسيرة 49 عاماً … فلسفة خاصة للتنمية وبناء دولة المؤسسات في سلطنة عُمان
لما يقرب من نصف قرن من مسيرة حافلة بالبناء، ترسخت أركان الدولة العُمانية الحديثة من خلال فسلفة إدارية ذات أهداف سامية ووفق رؤية ثاقبة تستشرف المستقبل وترتكز على مبادئ وقيم عُمانية أصيلة، وهذه الأهداف وتلك الرؤية صاغتها حكمة السلطان قابوس، من أجل بناء وطن ووضعه في مصاف الدول المتقدمة.
جاء في أولويات هذه الرؤية ملف التنمية، وباتت التنمية بشموليتها ومساعي استدامتها محور انطلاق المسيرة في كل قطاعات الدولة في مسارات متوازية، فلم يطغ قطاع على آخر، ولكن مضت التنمية في ربوع عُمان تمهد الطرق وتشيّد مؤسسات التعليم من مدارس وجامعات معاهد متخصصة، ومؤسسات صحيّة من مستشفيات ومراكز طبية وعيادات في كل بقعة من بقاع هذا الوطن، من أجل بناء إنسان متسلح بالعلوم والمعارف المتقدمة ومتمتع بالصحة الكاملة والقدرة على الإنجاز والعطاء.. كل ذلك والعمل يتواصل في بناء دولة المؤسسات والقانون.
استندت فلسفة الإدارة التي صاغها السلطان قابوس على بُعدين؛ الأول: إيصال التنمية لربوع السلطنة دون توقف، والبُعد الثاني: بناء الجهاز الإداري للدولة، وكلا البعدين شكلا منظومة التنمية الشاملة والمستدامة.
تتميز هذه الفلسفة بواقعيتها وتماشيها مع معطيات الظروف والمراحل والفترات التي مرت بمسيرة البناء، حيث مزجت بين الأصالة العمانية التي توراثها العمانيون على مر القرون، وبين قيم المعاصرة والحداثة، حيث كانت التنمية وبناء دولة المؤسسات في سلطنة عُمان خلال 49 عاماً، شعاعين متوازيين يضيئان مسيرة التطور والنماء والتقدم.
كما أن البناء والتنمية في عُمان تم على مراحل ومن خلال انتهاج استراتيجية التطور التدريجي لمسيرة الشورى العمانية، والحرص على إشراك المواطنين في صناعة القرار؛ حيث كان الحق للمواطنين والمواطنات في انتخاب من يرونه مناسبا لتمثيل ولايتهم في مجلس الشورى، وبالتالي المشاركة الضمنية في دعم مؤسسات الدولة في عملية صنع واتخاذ القرار.
الجانب الآخر من الثنائية، هي بناء دولة المؤسسات، والذي أقيم على قواعد عكست عبقرية فلسفة الإدارة لدى القيادة السياسية والمُرتكزة على رؤية استراتيجية وضعت أهدافا كبرى نجحت في الوصول إليها مع كل عام تتقدم فيه مسيرة البناء والنهضة حتى باتت تقترب من عامها الخمسين الآن.
وقد مرت عملية بناء الجهاز الإداري للدولة بمراحل مختلفة، اعتمدت نهج التدرج والتحول المرحلي المدروس والقائم على فقه الأولويات، ولم تكن سياسة الدولة تسعى إلى حرق المراحل أو القفز على المعطيات، وهو ما شكل الضمانة الأساسية لاستقرار المسيرة ورسوخ التجربة العمانية حتى باتت نموذجا يُستشهد به في المحافل التنموية الدولية.
فكم من مؤسسة دولية وإقليمية أشادت بما تحقق من نهضة شاملة في عُمان، وكم من وفود أجنبية جاءت إلي عُمان للوقوف على التجربة العُمانية في الإدارة وبناء دولة المؤسسات وتطوير الكوادر الوطنية، وتلك الأخيرة كان لها نصيب وافر من التنمية.
فالرؤية العُمانية آمنت بدور الإنسان المواطن في التنمية، وسعت بكل جهد أن تصقل مهارات الكوادر الوطنية وأن تعزز من خبراتها، عبر برامج التأهيل والتطوير والتدريب الوطنية، والتي لا تزال قائمة إلى الآن، وكان آخرها البرنامج الوطني لتطوير القيادات التنفيذية في القطاعين الحكومي والخاص معاً، وهو البرنامج الذي يُجسد الاهتمام السامي للسلطان قابوس بموضوع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ويؤكد أن مسيرة العطاء والتقدم تتطلب تضافر جهود القطاعين وتبادل الخبرات.
يبقى القول أن فلسفة إدارة شؤون الدولة في سلطنة عُمان وبناء مؤسساتها تمثل جوهرة التاج في مسيرة التنمية الممتدة منذ عام 1970، فعلى أساسها مضى قطار التنمية في محطاته المختلفة بمختلف الولايات، ووفق الرؤية الفلسفية العميقة لنهج الإدارة الحكيمة، وتمكنت الدولة العُمانية الحديثة من وضع أقدام راسخة في ركب الحضارة المدنية المعاصرة، والتي تتواصل مسيرتها في عامها الخمسين.