تحقيق : ابراهيم العسيلي
رحلتي هذه المرة مختلفة وممتعة فهي حكاية ليها العجب تدور فصولها بين أحضان ما يزيد عن قرن من الزمان قد مضي ، فالشعور بالحنين يمتزج بعبق التاريخ ورائحة مصر الجميلة تجدها بين جدران مستشفي رمد الزقازيق التي أنشئت عام 1913 في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني وزارها السلطان أحمد فؤاد الأول وصاحب الدولة رئيس وزراء مصر محمد باشا محمود .
عند وصولي إلي مستشفي الرمد بالزقازيق أدهشني تغيير لافتتها الرئيسية تحت مسمي جديد مستشفي طب وجراحة العيون ، وإزالة اللافتة القديمة التي تعارف عليها أبناء محافظة الشرقية باسمها التاريخي مستشفي “الرمد بالزقازيق ” ، دخلت وأمام مبني المستشفي القديم وجدت لافتتين علي جدراها واحدة باللغة العربية والأخري بالانجليزية مكتوب عليها حفرا “أنفق مجلس مديرية الشرقية 4000 جنيه لأنشاء هذا المستشفي وتبرع جناب الكومندور رزق الله بك شديد بالأرض والتي أقيم عليها وقد تم بناؤه وأعدت الأدوات بمبلغ آخر 1000 جنيه ألف مصري وفتح المستشفي سنة 1913 وتوثقت مصلحة الصحة العمومية قسم الرمد أمر إدارته والأنفاق عليه ” .
المزيد من المشاركات
ويتضح من اللافتة أن المستشفي بنيت بجهود حكومية وشعبية فتبرع “الكومندور ” القائد أو الربان وفقا للمعني اللغوي بالأرض ويظهر من الإسم أنه مصري الجنسية ويعتقد أنه أحد قوات الجيش المصري وقتها ، وأنفقت الحكومة المصرية مبلغ أربعة ألآف جنيه مصري للإنشاءات وألف جنيه للأدوات وهي مبالغ قيمتها الحالية الملايين من الجنيهات وذلك عام 1913 حين كان يحكم مصر الخديوي عباس حلمي الثاني . سارعت بالتوجه لأمين مخزن المستشفي “حسيني فتحي ” الذي حوي بين جدران مخزنه كنز من التراث والتاريخ لا يقدر بمال يستحق إنشاء متحف قومي علي حد تعبيره ، وأخرج لي لوحة معدنية محفور عليها : ” الدكتور عازر أفندي وهبة بعد أن قضي مدة الامتياز بمستشفي القصر العيني انتظم في سلك موظفي مستشفيات الرمد سنة 1910 ثم عين حكيمباشي بمستشفي الرمد بالزقازيق سنة 1913 وتوفي بالحمي التيفوسية سنة 1918 وكان رحمه الله من الأطباء الأكفاء الغيورين “.
ويظهر من النص هنا أن الدكتور عازر افندي وهبة هو أول مدير مستشفي لرمد الزقازيق “حكيمباشي” بعد أن أتي قادما من مستشفي القصر العيني وتوفي مريضا بالحمي التيفوسية . ثم أدهشني دفتر أوراقه من ورق البردي السميك مكتوبا عليه دفتر الزيازات السلطانية وأظهرت أولي صفحاته تسجيل لزيارة السلطان أحمد فؤاد عام 1921 قبل أن يلقب بالملك عام 1922 ، وكتب فيها بماء الذهب ” شرف مولانا السلطان المعظم أحمد فؤاد الأول .. مدينة الزقازيق يوم الخميس 21 رجب 1339هجرية الموافق 31-3-1921 وتفضل حفظه الله زيارة مستشفي الرمد ووقع باسمه الكريم تخليدا لهذه الزيارة المباركة ” . أتبع صفحات الدفتر المكتوبة القليلة جدا التي لا تزيد عن ستة صفحات توقيع صاحب الدولة محمد باشا محمود رئيس وزراء مصر عند افتتاحه مأوي مستشفي الرمد وذلك نوفمبر عام 1928 بعد توليه التشكيل الوزاري في يونيو من نفس العام ، وكانت آخر التوقيعات في دفتر الزيارات زيارة المحافظ رضا عبدالسلام محافظ الشرقية والدكتور شريف مكين وكيل وزراة الصحة عام 2015.
وكانت آخر ما رأيت هي خريطة من الورق البردي ممزقة للدولة المصرية كاملة ومديرية الشرقية ويبرز فيها بوضوح مركز الزقازيق ولم أستطع تحديد سنة رسمها أو إصدارها تاريخيا وإن كانت وفق خامة البردي وسمكه وتاريخ الأحداث والمقتنيات أتوقع أنها أيضا ترحع إلي العشرينيات من القرن الماضي ، وحاولنا جاهدين أنا والأستاذ حسيني أمين المخزن في البحث عن صورة رزق الله بك شديد بين المخازن والغرف فلم نستطع الوصول إليها إلا أن أقدم موظفة بالمستشفي وهي كبيرة هيئة التمريض فاطمة الدسوقي أكدت وجودها بل وصفت لي الصورة بعبارة ” والله يا أستاذ صورة راجل ليه الهيبة وجميلة من الباشوات بتوع زمان ” وأتبعت حديثها ” أنا قضيت أحلي أيام حياتي هنا في المستشفي وباقي لي سنة معرفش هعيش بعدها إزاي” .
وفي النهاية يتبقي هنا سؤالا متي يهتم المسئولين بهذا الترات والقيمة التاريخية بالشرقية وأليس هذا الكنز التاريخي يستحق متحفا يفخر به الشراقوة بل كل المصريين ليكون مزارا لهم جميعا ?!
المقال السابق
قد يعجبك ايضآ