مشالي .. تقدمت الصفوف بصنائع المعروف
مشالي .. تقدمت الصفوف بصنائع المعروف
******بقلم الكاتبة /سهيرمنير
مشالي … عشت لا تبالي .. غير إرضاء الباري .. في زمرة من الناس ما كانت تحيا بقدر ما تعاني ..
الطبيب مشالي . ..يا من زينت هذا اللقب إنسانيتك وضمير محبتك لأنك يا طبيب عشت ممدودة يداك ( تطبطب) قبل أن ( تطبب) .
مشالي .. لقد ظهرت نبوءات الإنسانية الفياضة منذ صغرك وشبابك حينما أصغيت بأذنيك البارة إلى أبيك وتعهدك هو ببره لمصر الأبية ؛؛ وتعهدته انت بكل الإنسانية أن تكون طبيبا للناس قبل أن تكون طبيباً لنفسك . فشهد على صدقكما الخالق عز وجل ووهبنا ووهب العالم تلك الإنسانية حتى بعدما فاضت روحك إليه .. لأنك أنت وأبيك صدق قول الله فيكما ( رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ).. وكانت البداية ..حينما وهبك ابوك حلمه الذي كان يسكن بين جنباته في أن يكون يوما طبيبا وبلغة عصره آنذاك حكيما .. فهم كانوا قلائل لكن حكمتهم كانت تؤثر العالم فيضا .. فخرجت مع أبيك من منشأ رأسك في قرية ظهر التمساح بمحافظة البحيرة متوجها إلى محافظة الغربية حيث كان تكليف أبيك بالعمل في إحدى المدارس معلما.. خرجتما وطيبة أهل البحيرة وعبق أرضها ونسيمها الاصيل يملأ جوفكما فصار الاب يعمل ويكدح لجلب سبل العيش ولم يلهه ذلك عن نهمه بالثقافة المتمثلة في عشقه للقراءة فكان متيما بها وبالتحديد عميد الأدب العربي طه حسين
فغرس في ابنه الطبيب مشالي حب القراءة الذي عشقه وسمعناه من لسانه الندي أن من أعطاه ورقة وليس كتابا فقد أعطاه اغلى هدية .. علمنا ذلك منه وسمعناه يردده في أحاديثه. فقد بدأت حياتك في حقبة زمنية كان يطلق فيها على الطبيب حكيما فكنت لها خير حكيم .. حكمت قلبك في عقلك الحكيم . فالحكمة ميراث الخير كله .. فقد ذكر الله في كتابه العزيز الخير نكرة كي لا يعد ولا يحصى ولا تكون له حدود ( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ) ..فقد اهداك الله تعالى الحكمة كي يصيبك خيرا لا حصر له .. فقلت لنا إنك تؤثر حكمة على كل الحكم واتخذتها منهجا تسير عليه في حياتك من شدة صدقك في الإيمان بها وهى( كل ميسر لما خلق له وانا خلقت للغلابة )
مفهوم الغلابة عندك ليس أناسا لا يستطيعون دفع التكلفة .. فكانت مراعاتك عدم مقدرتهم المادية جزءا كبيراً من رسالتك ولم يكن كل الرسالة . فرسالتك كانت تحمل معنى أعمق بكثير طيلة حياتك المهنية التى امتدت بالعطاء عبر خمسة عقود لآخر نفس في حياتك ظللت تغرس الفسيلة وما أبهى فسيلتك .. لم تكن أبدا إلا فسيلة ملائكية تثري الإنسانية .. فانشغلت بالغلابة .. وجعلت همومهم همك والامهم الأمك ..
وبالصدفة في بدايتك كطبيب أطفأت نيران طفل عجزت أمه عن شراء امبول انسولين وكأنما أطفأت معها نيران الطمع المشروع في مستقبلك. فالكثير منا يطمح في مستقبل احيانا يفوق الخيال .. وذاك مشروع إذا كانت السمات الشخصية مثلما كانت لديكم تؤهلهم لذلك . فقد كنت ذكيا متفوقا دؤوبا مثقفا قارئا جيدا تعرف قيمة كل ورقة كتاب قبل الكتاب ذا مكانة علمية لم يكن الكثير آنذاك فيها مثل الآن الذي توفرت لهم كل السبل وتاه السبيل ..
فسبيلك كان محفورا بداخلك.. وتلك عظمتك وذاك تفردك .. ليت الشباب الآن يحددون الطريق والهدف في ظل معمعة الاغراءات التي استسهلها الكثيرون .. فالكثير ممن يمتهنون الله حياتهم وهم عيادة .. عربية .. عروسة. عمارة ونسوا أن عينا واحدة يجب أن يؤثرونها قبل هؤلاء الخمسة مثلك وهي وهي (ع .. عطاء ) .. فقد أتتك كل العطاءات والمغريات حتى بابك وقلت إن مكانا واحدا لها عندك ليس له ثان .. وهى خزانة الغلابة .. ولم تكتف بعيادة واحدة وانما كانت لك ثلاث عيادات وكان ذلك برغم الإجهاد الشديد لكن عطاءك كان أشد فأردت أن يصيب عطاؤك الحسن اكبر عدد ممكن .
فيا أيقونة العطاء المجرد .. عشت إنسانا مصريا بسيطا وعلى رأسك كل المتفردات والابداعات ..
آن الأوان أن تكون رمزاً يدرس في كليات الطب كرائد للمنهج الإنساني الذي بات واجبا أن يضاف ويدرس عن علم في كليات الطب .
كما آن الأوان أيضا أن يكرم شركاؤك في رحلة عطائك الذين قدموا لك الدعم في هذه الرحلة الطويلة ولم يبالوا بما سيجنون . بل كان عطاؤك البهي يملأ أعينهم وضمائرهم وهم زوجك المصون وأبناؤك الكرام .. فلم يدفعوك يوما لاي مغريات بالتأكيد ستعود عليهم ولو بالتخلي عن جزء بسيط من وقتك كي توفر لهم ما يطمحون إليه كاي بشر عادي ولكنهم تركوك لرسالتك . وكان ذلك جليا امام الأعين لأنك ظللت تمارس عطاءك حتى اخر نفس في حياتك التى امتدت لأربعة وسبعين عاماً..
فيا حكيما ويا طبيبا ويةا دكتورا قد فاضت روحك عنا في العشر الاوائل من ذي الحجة .. وقد أقسم الله تعالى بهذه الأيام العشر .. وكأنما أراد أن يهبك في خاتمتك ما اقسم عليه .. وما اغلى ما يقسم عليه الله عز وجل .
مشالي .. ودعت روحك النبيلة الإنسانية جمعاء .. لكن إنسانيتك لم ولن تودعها . .
