كيف اختفت “هالة النجومية”؟ من زمن الغموض إلى زمن الاستباحة الرقمية

كيف اختفت “هالة النجومية”؟ من زمن الغموض إلى زمن الاستباحة الرقمية

بحلول الألفية الجديدة و اتساع استخدام التكنولوجيا في كل مناحي الحياة و سيطرتها على كل تفصيلة في العالم نجد نفسنا امام انعدام لمصطلح الخصوصية!

كتبت /ماريان مكاريوس

نعم غيبت التكنولوجيا الخصوصية و جعلتها شبه معدومة و خاصة لحياة المشاهير

في الماضي، كانت حياة الفنانين محاطة بهالة من الغموض والرقي، لا يعرف عنها الجمهور إلا القليل، وكانت أخبارهم تُتابَع بشغف وفضول، لأن الظهور الإعلامي كان محسوبًا ومحدودًا. أما اليوم، في ظل السوشيال ميديا، أصبحت حياتهم اليومية متاحة للجميع، بكل تفاصيلها، مما غيّر تمامًا شكل العلاقة بين الجمهور والنجم.

كيف تحوّل الفنان من رمز بعيد المنال إلى شخص متاح 24/7، وكيف أثر ذلك على صورته، وهالة النجومية، ومكانته في أعين الجمهور.

فنان الماضي: الغموض يصنع السحر

في العقود السابقة، كان الفنان يختار متى يظهر، وكيف يظهر، وبأي صورة يُقدّم نفسه. كانت صور النجوم تُنشر في المجلات بعد مراجعة وتنسيق، وكانت اللقاءات الإعلامية قليلة ومميزة. لم تكن هناك عدسات تلاحقهم في كل مكان، ولا تسريبات، ولا “لايفات” تفتح لهم بيوتهم على الهواء مباشرة.

هذا الغموض كان يُضفي على الفنان سحرًا خاصًا. الجمهور كان ينتظر أخباره وأعماله بفارغ الصبر، لأنه لا يراه كثيرًا، ولا يعرف عنه إلا القليل. فكان الشوق جزءًا من العلاقة، والندرة تُضيف قيمة.
و كانت الجرائد و المجلات هي الوسيلة التي تعرض من خلالها حياة الفنان و ما يحب أن يعرضه منها.

نجمات من زمن مضى: مثال فاتن حمامة

حين نذكر فنانات مثل فاتن حمامة، يتجسد أمامنا مثال حيّ على “هالة الفنان”. لم تكن حياتها الخاصة مادة يومية للإعلام، بل كانت تفرض خصوصيتها وتحافظ على صورتها بكل حرص. ومع ذلك، أو ربما بفضل ذلك، ظلت تحتفظ بمكانتها في قلوب الناس، كرمز للرقي والاحترام والاحتراف.

هذا النوع من النجومية كان قائمًا على الاحترام المتبادل بين الفنان والجمهور، لا على الفضول أو التطفل.

السوشيال ميديا: حين أصبح كل شيء متاحًا

مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، تبدلت المعادلة. اليوم، يُشارك الكثير من الفنانين حياتهم اليومية عبر القصص والمنشورات والفيديوهات، سواء في العمل أو المنزل أو الإجازات. بعضهم يفعل ذلك طوعًا، وبعضهم تحت ضغط التفاعل والمنافسة.

أصبحت “النجومية” الآن لا ترتبط فقط بالموهبة أو الأعمال الفنية، بل أيضًا بعدد المتابعين، وتفاعل الجمهور، و”التريند”. وهذا الانكشاف الكامل ألغى عنصر الغموض، وحوّل الفنان إلى شخص “عادي جدًا” في أعين المتابعين.

عندما يفقد الجمهور الشغف

الوفرة تقتل الشغف. هذا ما حدث تمامًا مع علاقتنا بالنجوم. حين ترى الفنان في كل يوم، في كل لحظة، وفي كل حالة – يطبخ، يتمرن، يمرض، يحتفل – لم تعُد تنتظر شيئًا جديدًا منه. فقدت الصورة بريقها، وأصبح الفنان بالنسبة للكثيرين مثل أي شخص آخر على الإنترنت.

النتيجة؟ التفاعل موجود، لكن التقدير قل. الانتشار واسع، لكن الاحترام تراجع.

بين المعجب والمتطفّل: أين الخط الفاصل؟

في الماضي، كان المعجب يُقدّر الفنان ويحتفي بأعماله. أما اليوم، فقد أصبح الجمهور – أو جزء كبير منه – يرى نفسه شريكًا في حياة الفنان، يتدخل في اختياراته، ويُحاسبه على تصرفاته، بل ويُعلّق على كل تفاصيل حياته الشخصية وكأنها حق عام.

وهنا تضيع الحدود بين “الإعجاب” و”الاستباحة”. لم تعُد الخصوصية مقدّسة، بل صارت مادة للتعليقات، والتقييم، وأحيانًا السخرية.

صناعة النجوم الجديدة: حضور بلا قيمة؟

في عصر السوشيال ميديا، نشأ جيل جديد من “النجوم” الذين بنوا شهرتهم فقط على مشاركة حياتهم اليومية. لا يمتلكون أعمالًا فنية قوية، لكنهم مشهورون لأنهم ببساطة… موجودون باستمرار!

هذا النوع من الشهرة السريعة والمكشوفة يفتقد العمق، وربما يفقد بريقه سريعًا. فالجمهور اليوم يُتابع، لكن لا يُبقي في ذاكرته إلا من يترك أثرًا حقيقيًا.


هل يمكن استعادة “هالة الفنان” في العصر الرقمي؟

في ظل هذا الانكشاف، هل يمكن للفنان اليوم أن يستعيد شيئًا من تلك “الهالة” التي كانت تميّز النجوم في الماضي؟ الإجابة: نعم، ولكن بشروط.

التحكم فيما يُنشر: ليس كل لحظة تستحق أن تُشارك.

الفصل بين الحياة الخاصة والحياة العامة: على الفنان أن يضع حدودًا واضحة.

التركيز على العمل الفني: ليبقى هو الأساس في العلاقة مع الجمهور.

التقدير الذاتي: كلما احترم الفنان نفسه، احترمه الناس.

الشفافية جميلة… ولكن بحدود

لا شك أن السوشيال ميديا قرّبت المسافات، وخلقت نوعًا جديدًا من العلاقة بين الفنان والجمهور. لكن هذا القرب له ثمن. ومع الوقت، ربما يحنّ الجمهور إلى زمن كانت فيه الصورة نادرة، والصوت نادر، والظهور له قيمة، والهالة لا تُمس.

الحنين لهذا الزمن ليس ترفًا، بل إشارة إلى أن “الخصوصية” لا تزال تُضفي على الإنسان – أيًا كان – قدرًا من الاحترام والجاذبية. وربما آن الأوان لنُعيد النظر: ماذا نكسب وماذا نخسر حين يصبح كل شيء متاحًا؟

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.