نجلاء فتح الله تكتب : نون والقلم

داود عبد السيد..الفيلسوف الحالم

التقيت مع المخرج الكبير “داوود عبد السيد “للمرة الأولى عام 2001 اثناء تصوير فيلمه”مواطن ومخبر وحرامى” وكنت وقتها محررة باب ” جولة الاستديوهات ” المنوط بتغطية كل جديد فى بلاتوهات السينما بمجلة “الفن السابع” السينمائية المتخصصة الشهيرة جدا آنذاك .. استقبلنى المخرج الكبير وقتها بحفاوة بالغة كأننا أصدقاء قدامى لم يلتقيا منذ زمن وبرقى يليق بفنان حقيقى ينتمى لزمن النبلاء رغم انها كانت المرة الأولى التى نلتقى فيها .. لم ادع انشغالى بالمتابعة الاخبارية يسرقنى من شغفى بمراقبته فى البلاتوه اثناء التصوير , كيف لا وهو المخرج الذى طالما حلمت بمقابلته وحرصت دائما على متابعة اعماله القليلة جدافى عددهاا الكبيرة جدا فى قيمتها .
كان يديرالتصوير بنفس ايقاعه الهادئ وثباته الانفعالى وحتى بنفس نبرة صوته الهادئة والرصينة المعروف بها ..كان يقود البلاتوه كمايسترو يقود اوركسترا تعزف لحنا متفردا من تأليفه رغم ان الحكاية كانت لا تخلو من مناوشات المواطن المثقف ابن الذوات خالد ابو النجا مع الحرامى ابن العشوائيات شعبان عبد الرحيم والمخبر ابن الدولة البوليسية صلاح عبدالله ومع تفاوت الشخصيات الا انها كانت تعزف لحنا متناغما بقيادة مخرج لا يصرخ عندما يعلن عن بدء تصوير مشهد جديد بكلمة اكشن التى نسمعها باعلى الطبقات من كل المخرجين الا داوود عبد السيد .
داوود عبد السيد الفنان الذى ضل طريقه للصحافة وسرعان ما صحح طريقه ليختار السينما محرابا له يتعبد فيه وقتما يشاء ليصبح بعد9 افلام روائية طويلة وثلاث افلام تسجيلية فنان الفلاسفة وفيلسوف الفنانين والذى انتصر دائما للإنسان واصبح واحدا من فرسان السينما الواقعية الجديدة التى بدأت فى منتصف ثمانينات القرن العشرين وليسرق الفرح ليعيدنا الى ارض الاحلام ولم لا وهو الطفل الذى طالما نقل احلامه للشاشة ؟
لم يسع عبد السيد ابدا لعرض سينماه فى مهرجانات خارجية ليراها الآخر ولم يلهث وراء جائزة او تكريم او أى بروباجندا صادق صدق الأطفال يتكلم قليلا ويقدم اعمالا قليلة أيضا لكنها تدوم طويلا , لا ينفصل عن واقعه ويعبر عنه لكن دون صراخ يرتبط كثيرا بفريق عمله الذى لا ينسجم مع احد سواه ” راجح داوود” فى الموسيقى التصويرية و ” سميربهزان ” كمدير تصوير ” رغم انه يميل دائما لتتوع نجوم اعماله فعمل مع ثلاث اجيال بداية من فاتن حمامة مروروا بنور الشريف ومحمود عبد العزيز ومحمد هنيدى نهاية بآسر ياسين و خالد ابو النجا ..فاجآ الجميع باختياره لشعبان عبد الرحيم كبطل لاحد افلامه كما ادهش البعض الآن عندما أعلن عن مشروع سينمائى يكون بطله محمد رمضان ومن انتاج السبكى ..ولم لا ؟؟ فهو داوود عبد السيد الذى طالما آمن بالإنسان وجعله هدفه الأساسي ليخرج شخصيات حقيقية على الشاشاة تحمل رؤية فيلسوف مؤخراا تم تكريم المخرج القدير “داوود عبد السيد ” فى مهرجان الجونة فى دورته الثانية وهو التكريم الثانى له هذا العام بعد تكريمه الأول فى معرض القاهرة الدولى للكتاب .. والحقيقة ان مجرد تواجد اسم كداوود عبد السيد فى اى محفل محلى او دولى هو فى حد ذاته تكريم لهذا المحفل وتكريم لمصر ..ويكفى مصر فخرا ان بها مخرج مثل داوود عبد السيد يحمل دائما هم وطنه وهم ناسه وهم صناعة ينتمى لها يرى ان الدولة لا تهتم بها كما يجب وانها تتحمل الجزء الأكبر من انهيارها بل وحتى تتحمل النصيب الأكبر فى انهيار الذوق العام
داوود عبد السيد الفنان الحالم دائما الذى اتهم بقب نظام الحكم لانه دعا الشعب لمقاطعة انتخابات رئاسية زائفة ..هو الحكيم الذى لم يعرف يوما الحياد فى ارائه بل الانحياز التام لما يراه العدل والحق .

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.