الكابوس.. بقلم/ مصطفى حسن سليم.

عندما يتحول كل شيء يدور بداخلك، إلي كابوس مرعب يتكرر بصفة مستمرة، لتجد نفسك في النهاية، أمام نفق مظلم، ولايوجد أمامك خيار آخر، اما أن تعبره، أوتظل عالق في مكانك للأبد…
كل إنسان يحمل خلفه قصة، رغم التظاهر بهدوئه الشديد، ورسم السعادة على وجهه، لم أكن أظن أني في يوم من الأيام (الطبيب سليمان الدمنهوري) الناجح في عمله بشهادة الجميع، أن أصبح مجرم مطارد من الجميع، يجيد فن التخفي عن عيون الناس، بعد أن كنت حديث الصحف، وضيف القنوات الفضائية، ورغم ذلك أنا لم أخطئ حقا في ارتكاب هذه الجريمة، ولكن اثبات براءتي من المستحيل، فكل أركان الجريمة متوفرة، وكل الأدلة تنطق بشيء واحد هو أني أنا الفاعل الحقيقي لهذة الجريمة، بدأ الأمر عندما تخرجت من كلية الطب، وتوفي والدي بعد صراع طويل مع مرض السرطان، وعند وفاة أبي رحل آخر فرد من أسرتي الصغيرة، التي كان أبي آخر افرادها، وقررت السفر إلى احدى الدول الأوروبية للعمل في مهنة الطب، وسافرت بالفعل وانهمكت في العمل والنجاح، دون التفكير في أي شيء آخر غير جمع المال والشهرة، ومرت الأيام سريعة، وشهرتي تخطت جميع الحدود، وقررت العودة إلى وطني، وفتح مستشفى خاص يحمل اسم أبي، تخليداً لذكراه، وخصصت قسم مجاني فيه لعلاج الحالات الحرجة دون مقابل، وكان هذا القسم هو سبب المشكلة التي حدثت لي، وكان ذلك القرار الذي اتخذته لعمل الخير هو أكبر غلطة فكرت فيها في حياتي، عندما وثقت في ابن عمي عرفان في ادارة أعمال المستشفى دون متابعته جيداً، لقد كون عرفان عصابة لسرقة أعضاء أصحاب الحالات الحرجة دون معرفتهم بذلك أثناء اجراء العمليات الحرجة لهم، هرلاء المساكين الذين قررت مساعدتهم لتجاوز محنتهم مع المرض، لقد أصبحت التجارة في الأعضاء البشرية آفة هذا العصر، ولكني لم أكن اتصور أني سأكون الشريك الأول والفعال في هذه العصابة، لقد كانت جميع الأوراق التي يتم بها ادارة هذه العملية القذرة موقعة باسمي أنا فقط، وتحمل جميعها موافقتي، وعندما داهمت الشرطة المستشفي اضطررت للهرب منهم، والبحث عن عرفان لمعرفة الحقيقة، وانا الآن مطارد بالفعل علي جريمة لم ارتكبها…
كل مايدور بداخلي الآن، وأنا في انتظار عرفان داخل شقته التي سبق وأن طلب مني إيجارها لقربها من المستشفى، هو معرفة اجابة ذلك السؤال الذي يحتل كل مساحات عقلي، لماذا فعل بي ذلك بعد وثقت فيه، ولكني أنا المخطئ حقا عندما تصورت أن هناك رحمة في قلوب بعض البشر في هذا الزمان الصعب، مرت ساعات ولم يحضر عرفان، وشعرت بتثاقل شديد في جفوني ورغبة كبيرة في النوم، ولم أشعر بعد أن استغرقت في النوم لفترة قصيرة، إلا بفواهة مسدس باردة تلتصق في عنقي، وصوت عرفان الغليظ وهو يقول لي في سعادة كنت أنتظر قدومك في أي وقت، لذلك لم أقُم بتغيير مفتاح الشقة، مع معرفتي أنك تمتلك نسخة أُخرى منه، اعتدلت في جلستي وانا انظر إليه في غضب وهو يستطرد بضغطة واحدة على هذا الزناد، ترحل عن عالمنا للأبد، ومعك كل المشاكل التي صنعتها أنا من قبل، وتموت أنت ومعك كل اسرار القضية الكبرى حديث الساعة الآن ، وأستطيع أنا الخروج منها مرة أخرى مثل المرة الماضية، بكل سهولة مثل خروج الشعرة من العجين، عندما أذكر في التحقيقات أنك اقتحمت شقتي، وحاولت قتلي، وكنت أنا في محاولة دفاع عن النفس، ان أقل محامي حديث التخرج يستطيع إخراجي من هذه القضية، مثلما خرجت من قضية تجارة الأعضاء من قبل، فقمت بسؤاله لماذا فعلت ذلك بي؟! جلس عرفان في المقعد المواجه لي، وهو يصوب نحوي مسدسه في خوف قائلا لي صدقني يادكتور انا مجرد كارت محروق في لعبة قذرة، انها مافيا كبيرة أنت أضعف من أن تواجهها لوحدك، واذا كنت رفضت طلبهم كانوا سيجدون البديل لتنفيذ طلباتهم في هذه التجارة القذرة، بعد أن يتخلصوا مني لمعرفة سرهم، لقد أصبحت هذه التجارة هو ذلك الكابوس الذي يسكن في قلب الدول النامية، ليصبح بعض أفرادها فريسة سهلة لتلك التجارة، أنا فقط مجرد لاعب غير أساسي من ضمن فريق كبير في هذه اللعبة القاتلة، كان اعترافه هذا صدمة لي لذلك سألته عن المسئول الأساسي في هذه الجريمة، فما كان منه أن انتابته حالة من الضحك الهستيري وهو يقول لي يبدو أنك مجنون، لتطلب مني ذلك الطلب يادكتور سليمان، ثم غرق في صمت لعدة لحظات، وهو يقف ويتقدم نحوي بخطوات ثابتة، وهو يستطرد على العموم من حق رجل مثلك مصيره الموت بعد لحظات، معرفة الحقيقة الغائبة عنه، ولماذا تم توريطه في جريمة لم يفعلها، نعم لقد قررت بالفعل قتلك بعد اعترافي الكامل لك، تظاهرت بالهدوء وأنا أحاول الاعتدال في مكاني، مما زاد حدة توتره وهو يندفع نحوي ويوجهه فواهة مسدسه نحو رأسي بقوة، وهو يصرخ في انفعال قائلاً لي لاتتحرك من مكانك، وإلا أفرغت خزنة مسدسي هذا كلها داخل جسدك، ولم أكن أنتظر منه أكثر، من هذا زيادة توتره، وفقدانه التحكم الكامل في أعصابه، واستغللت هذه اللحظة، واندفعت نحوه في سرعة، وضربته في راسه بقوة، برأسي ليسقط على الأرض، وقد فوجئ عرفان بتلك الحركة المفاجئة، وهو يسقط على الأرض، وأثناء سقوطه على الأرض، أطلق رصاصة من مسدسه أستقرت بداخل قدمي، وأنا أندفع نحوه وأنهال عليه بعدد من الضربات المبرحة على رأسه بقوة، حتى فقد الوعي من شدة الضربات، وعندما استعاد وعيه وجد نفسه مربوط في نفس المقعد، الذي كنت أجلس عليه من قبل، وأنا أقول له الآن تغيرت مبادئ اللعبة، أصبحت أنا الآن في موقف القوة، وأنت أصبحت في موقف الضعف، صدقني ياعرفان كان لدي رغبة كبيرة في تسليمك للشرطة مع أعترافك هذا، الذي كنت اسجله من خلال كاميرا زرعتها أثناء وصولي قبلك إلى الشقة، ولكني الآن غيرت رأيي في ذلك، أنا لا أحتاج أن أكون رحيم مع شخص مثلك كان ينوي قتلي منذ قليل بدون رحمة، حاول عرفان تمزيق قيوده ولكنه فشل في ذلك، وضحكات سليمان تتعالي في انفعال بشكل هستيري، وهو يطلق رصاصة من المسدس الذي يحمله، وقد أستقرت بداخل رأس عرفان…
انتفض جسد الدكتور سليمان في عنف، وهو يستيقظ من النوم ليجد زوجته تسرع نحوه قائلة له هل عاودك ذلك الكابوس مرة أخرى ياسليمان، بدأ الشحوب علي وجه سليمان وهو يقول لها في انفعال أعتقد أنه آخر مرة سيأتي لي ذلك الكابوس، فقالت له وهي تربت على كتفه في هدوء لماذا تتحدث هكذا بهذه الثقة، لقد عاودك ذلك الكابوس عدة مرات من قبل، وفشلت في التخلص منه، فزفر سليمان في عنف قائلا لها أعتقد أن هذه آخر مرة سيعاودني فيها لأني فهمت رسالة تكرار ذلك الكابوس، الذي يعاودني دائما دون سابق انذار ، أنا متأكد أنه مجرد رسالة موجهة لي، على عدم تصفية أعمالي هنا، والعودة إلى وطني، انا ناجح هنا ولن أغامر بنجاحي هذا في بلدٍ أخرى، حتى لوكان ذلك البلد هو وطني، ولكن لايعني ذلك أن أتخلي عن مساعدة كل المحتاجين، بخبرتي الطبية من أبناء وطني .

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.