“عندما تعيش في وطن سفيرته وردة ؟”.عن الوردة الشامية في موسم قطافها
تشمخ فوق تربة دمشقية مستعيدة لونها الأزهى بعد أن وشّحه رماد الحرب، مضيفة إلى سفوح دمشق زهواً عابقاً بتميز عطرها قبل أن يعبق بريح النصر.
يبدأ موسم قطاف الوردة الشامية الشهيرة عالمياً ما بين شهري أيار وبدايات حزيران من كل عام، فهي الوردة التي ارتبطت بحقب ماضية من تاريخ سوريا، حيث يكثر الطلب عليها وعلى عطرها وزيتها من كافة أنحاء العالم.
وتعد قرية “المراح”، الملقبة “بعاصمة إنتاج الورد الدمشقي”، في منطقة جبال القلمون المحاذية لدمشق النقطة الأشهر في زراعة الوردة الشامية وإنتاجها.
وذلك بعد أن عادت زراعتها تدريجياً لتستأنف إنتاجها، بعد غيابه إبان الحرب التي كان لها أثر سلبي على زراعة الورد الدمشقي بسبب الصعوبات التي واجهت الفلاحين ومنعتهم من متابعة حقولهم.
ويرافق عملية قطاف الوردة الشامية في فصل الربيع طقس اجتماعي مميز يقوم به الأهالي كباراً وصغاراً بإعداد مجموعة من المأكولات التقليدية التي تنتمي للقرية، وإطلاق أغانٍ شعبية ويقام مهرجان قطاف الوردة الشامية هناك.
وكانت الحرب حرمت عائلات عدة نشأت على زراعة الوردة الشامية من مصدر رزقها الاساسي، فقطعت الطرقات إلى حقول “المراح” وتم إلغاء مهرجان الورد المعتاد في تلك المنطقة، لكن بقيت عائلات قليلة حاولت الحفاظ على البساتين والمحاصيل.
وقال رئيس جمعية “المراح” لإحياء وتطوير الوردة الشامية، مدين بيطار، بحسب وكالة “سانا”، مؤخراً، إن: “موسم قطاف الوردة الشامية في القرية هذا العام كان مميزاً نظراً للهطلات المطرية، متوقعاً أن “يشهد هذا العام إقبالاً من قبل التجار ليس فقط على مستوى سوريا”.
كما أعرب بيطار عن أسفه لخروج مساحات كبيرة عن الإنتاج جراء توالي الجفاف خلال السنوات الماضية وانخفاض المساحة من 6 آلاف دونم عام 2011 إلى 3 آلاف دونم حالياً.
ولفت إلى أنه “منذ عام 2015 تم تكثيف الجهود عبر استصلاح مساحات جديدة وزراعتها وخلال العام الماضي تم تخصيص المراح ببئر لتكون داعمة للفلاحين في الريات التكميلية”.
وعن تاريخ هذه الوردة، كان الورد الشامي يملأ دمشق، وسوّرت حدائق غوطتها به، وفي قرون مضت وعندما احتل الصليبيون جزءاً من بلاد الشرق، استقدموا الورد الدمشقي إلى أوروبا، وكان المصريون القدماء تعلموا قطفه من سوريا وتصديره إلى روما.
وتذكُر بعض الروايات التاريخية أن “صلاح الدين الأيوبي حمل ماء الورد ورشه على قبة الصخرة في القدس أثناء تحريره المدينة من الصليبيين في عام 1187 ميلادية”.
ويتم اليوم استثمار محصول الورد الدمشقي من خلال نقل الكثير منه إلى سوق البزورية في دمشق القديمة، وهناك تباع عشرات الأطنان إلى تجار متخصصين بنقله إلى أوروبا.
ويعاد تقطير الورد المجفف في البلدان المستوردة له، ويدخل السائل المستخلص منه في صناعة العطور الفاخرة، بحيث ترد عبارة الوردة الدمشقية ضمن مكوناتها الأساسية.
ويعود ظهور الوردة الشامية الى آلاف السنين، حيث انتقلت زراعتها مع الزمن إلى دول عدة بينها بلغاريا وفرنسا وإيران وتركيا، وتتميز الوردة الشامية برائحة نفاذة فواحة، ولها استخدامات متعددة منها تركيب العطور.
كما يستخدم شراب مياه الورد في الشرق في صناعة الحلويات، وفي تعطير المساجد، وتقول الأساطير في بعض الدول أن الوردة الشامية جالبة للحظ خصوصاً في الأفراح، وتستخدم أيضاً في المستحضرات الطبية الطبيعية والتجميلية.
إضافة إلى استخدامها في صناعة مربى الورد من البتلات، وشراب الورد الشامي ذائع الصيت، كما يعد إنتاج زيت الوردة الشامية من أهم المنتجات وأغلاها ثمناً وقيمة وفائدةً.
يذكر أن أكثر من جهة محلية وشبه رسمية قامت بدعم زراعة الوردة الشامية في عدد من المناطق السورية، لكن هذه الزراعة لم تعطِ النتيجة المرجوة من ناحية كمية الإنتاج ونوعيته، إلا في عدد محدد من القرى السورية، التي تلعب تربها دوراً هاماً في نجاح هذه الزراعة.