أم بلا وجع
كتبت
نيروز الطنبولي
========
لا توجد أم بلا وجع،
حقيقة مهما حاولت إخفاءها الأمهات. وربّما نفس الوجع متوفر لدى الآباء ولكن لاختلاف طبيعة الرجل والمرأة غالبا لا يعبأ الأب بهذا الألم إلا في النادر.
أوجاع تختلف عن معاناتنا في التربية و محاولاتنا الدائمة لكي نرضي الأبناء ونلبي لهم الرغبات والاحتياجات، سواء كانوا في حاجة لها أم يتدللون علينا ويلعبون على كل أوتارنا للحصول على ما يريدون ،
وهذا حقهم فهم فلذات الأكباد وزينة الحياة… ولكن علينا أن ننتبه ونستفيق من الانزلاق في إرضائهم لاهثين بضعف منّا نابع من محبتنا لهم وفطرتنا كآباء، ثم نُفاجَأ بعد عمر أن ذلك لم يرضهم وأنّ كلّ ما فعلناه هم أكبر ناقد له،
وأنّ كل ما قدّمناه لم ينل الرّضا وتجدهم يقفون أمامنا منتصرين يرجعون الفضل لأنفسهم في ما صاروا عليه أو حتى مهزومين ويلقون علينا بكل اللوم لأنّنا سبب ما آلوا إليه…
والأمر ليس كذلك في كلا الحالتين وإن صح.
في الحقيقة إنّ دور الأب والأم لا غنى عنه في حياة الأطفال ونحن منذ الشعور بذلك الإحساس الرائع ألا وهو الحمل نكون في حالة من الترقب ويبدأ الشعور بالمسؤولية،
ويبدأ المشوار بالإحاطة الفطرية لذلك الطفل الذي لا يزال جنينا، ونحيا كذلك ما دمنا أحياء كلّ يبذل ما يملك وما هو في وسعه لتقديم أفضل ما عنده من دعم ماديّ ومعنويّ مستخدمين خبراتنا الحياتية أو دراستنا و ما نشأنا عليه وكلّ ما حصدناه في هذه الحياة لنصل بهم لتحقيق الحلم الذي اختزناه لهم والذي اختزنوه لأنفسهم… ولكن لحظة ، هل كلّ ما نقدمه لهم يليق بهم ؟
الإجابة لا.
وهل كلّ ما نراه سيسعدهم كذلك؟
الإجابه لا.
وهل كلّ الخبرات التي حصدناها حقّا واعية وسليمة وعلينا أن نتكئ عليها ؟
الإجابة لا لا لا!
إذا ما الحل لنرضى ونرضيهم ؟
أولا
فلنهدئ من روعنا ونقلل من ذلك الهم والحمل الواهي…
نعم حمل واهٍ
لأنّنا وإن صحّ التّعبير مسئولين، ولكنّ أبناءنا ليسوا صفحات بيضاء كما يشاع،
هم في الحقيقة أناس حقيقيون لديهم إحساس وعقل وميراث من الطباع التي لن تتغير مهما بذلنا بتربيتهم…
ولسنا نحن وحدنا من نربيهم،
صحيح أنه علينا أن نكرّس أوقاتنا لهم ولتنشئتهم على كلّ خير ولكن إعطاءهم مساحة لنمو ذواتهم وإبراز توجهاتهم الشخصية أمر ضروري، وإشعارهم بمسئوليتهم تجاه أنفسهم بالغ الأهمية
وتحملهم لمسئولية أفعالهم ومنذ الصغر ضرورة تزداد مع تقدّمهم في العمر شيئاً فشيئاً… أمّا عن إرضائهم الكامل فنحن غير مضطرين؛
ولو حاولنا ذلك فلن نحصد أبداً سوى المتاعب وعدم الرضى منهم .
وليس معنى هذا أنّ كلّ الأبناء نسخة واحدة ونتائج التربية غير مضمونة؛
بالعكس
هي مهمة ومضمونة ومعطياتها تبشر بالنتائج فلنحسن الاختيار والتّأني في زرعة أيدينا ولكن دون أن نسلّم أن النتائج مضمونة…
وحذار من أن تنتظروا الامتنان والشّعور بالتّقدير والذي ربّما لا نشعر به إلا عندما يكبرون ويجربون ما عانينا معهم ويتفهمون الدوافع وراء ما فعلناه وهذا أيضا غير مضمون!
وأنت عزيزتي الأم المرهفة الحسّ
لا تتأثري كثيرا بضجر أولادك ولا تتندمي على شيء ربيتهم عليه لقناعتك أنّه الصّح والحقّ لأنّك لا تملكين سوى أن تبذلي في إطار ما تفهمين وتعتقدين…
وإن كنت مخطئة فتلك هي الحياة كما نغصنا على أهلنا ولم نرض بكلّ ما وفروه لنا فطبيعي أن يشعر أولادك بالمثل…
فهذه سنّة الحياة وسنّة العالم المتغيّر واختلاف الجيل.
فلا تحمّلوا أنفسكم غير ما تطيقون
ولا تنتظروا منهم ودًّا إضافيا وامتناناً تحيون عليه سعداء؛
فإن منحوكم منه شيئا افرحوا،
وإن لم تعطوا منه شيئا فلا تحزنوا
واحتسبوا هذا الجهد ولا تتألموا فالأيام كفيلة بتبصرتهم بالحقّ..
. حقا لا توجد أم أو أب بلا وجع!
نيروز الطنبولي