سوء الظن بالناس مرض إجتماعي أخطر من كورونا

 

دكتور/ عادل المراغي.
من أخطر الأمراض الاجتماعية والأوبئة النفسية التي تنخر في جسد العلاقات بين الناس وتزرع بذور الكراهية وتجتث أشجار المحبة بين الناس سوء الظن بهم فهو مرض يقتل كل شئ جميل ويعكس تفكير صاحبه و لن تجد أحدا سيئ الظن بالناس إلا وتجده خبيث النية سيئ الطوية
وصدق صاحبنا المتنبي حينما قال:-
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه
وصدق ما يعتاده من توهم

فالخائن يظن الخيانة في كل البشر والغادر يحسب الغدر سجية في كل من رأه والعاقل الذي يحترز من الناس ولا يسيئ الظن بهم إلا إذا ظهر ما يحمله علي ذلك بيقين.
وسوء الظن،سوس ينخر في جسد المجتمع ويقوض أركانه وإذا ظهر في مجتمع فشت الشائعات وسارت كل مسار وطارت كل مطار
ولقد كان سوء الظن سببا في تصدع بيت النبوة شهرا كاملاً في حادثة الإفك،كما كان سبباً في مقتل الخليفة عثمان رضي الله عنه، فما أقبح سوء الظن بالناس كم قتل من أبرياء وضيع من حقوق،
وسوء الظن يجلب العداوة ويحمل علي البغضاء ويطفئ جذوة الحب في القلوب
قال الشافعي رحمه الله (من سره أن يختم له بخير باليحسن الظن بالناس)
وحسن الظن هو حجر الزاوية في بنيان المجتمع،وسوء الظن يمزق نسيج المجتمعات،لأن الثقة بين الناس أساس لكل علاقة اجتماعية
وحسن الظن مبني علي التماس الأعذار كما ورد في حديث البيهقي في شُعَب الإيمان عن جعفر بن محمد قال: (إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره، فالتمس له عذرًا واحدًا إلى سبعين عذرًا، فإن أصبته، وإلا، قل: لعل له عذرًا لا أعرفه.)
وماكل امرئ قادر علي إبداء عذره ،وأعقل الناس اعذرهم للناس… إقبل لأخيك سبعين عذراً.. لعل له عذراً لا تعلمه…. لعل له عذرا وأنت تلوم،..والمؤمن يلتمس الأعذار والمنافق يتصيد الهفوات والعثرات
قال دعبل الخزاعي:
تَأَنَّ وَلا تَعجَل بِلَومِكَ صاحِباً
لَعَلَّ لَهُ عُذراً وَأَنتَ تَلومُ

ولقد حذرنا الله تعالي من سوء الظن بأفراد المجتمع حتي يسود الحب ويعم السلام قال تعالي:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا )سورة الحجرات
ولو تأملنا في هذه الآية نجد أن سوء الظن يدعوا إلي التجسس، والتجسس يدعوا الي الغيبة، والغيبةتدعوا إلي النار،
قال ابن قدامة( إن القلب لا يقنع بالظن بل يطلب التحقيق ويشتغل بالتجسس)
وسوء الظن سبب في إنتشار الشائعات ،فالاشاعة تقوم علي رجلين إحداهما الكذب والأخرى سوء الظن
ومن كانت عادته سوء الظن بالناس كره نفسه وكرهه غيره ولا يصفوا له حال ولا يخلص له صديق ولا تصان عنده زوجه، فالجميع لديه متهمون متآمرون متواطئون علي الإضرار به،ولا يصدق إلا نفسه ولا يثق إلا في شخصه،وهذا غاية الحمق وعين السخف.
ويري علماء النفس أن سوء الظن بالناس مرض وشكل من أشكال الإسقاط النفسي،فالخائن يظن الخيانة في كل الناس والكذاب يتهم الناس جميعاً بالكذب ،والفاجر يظن الفجور في كل الناس كما قال قيس بن الملوح في ليلي:
وَلَكِنَّ لَيلى لا تَفي بِأَمانَةَ
فَتَحسِبُ لَيلى أَنَّني سَأَخونُها

وقد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سوء الظن
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا)
وقد أثار دهشتي أن رجلا كان يلبس ساعة فتاة وكلما رآة الناس لمزوه وهمزوه وغمزوه حتي عرفوا أنها ساعة فلذة كبده وابنته الوحيدة التي صرعها المرضى الخبيث
ومعني سوء الظن هو اعتقاد جانب الشر وترجيحه علي الخير وقد عد ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى سوء الظن من الكبائر الباطنة وهي تتنافي مع سلامة القلب الذي طلبه الخليل عليه السلام ،وهذه الكبيرة وأخواتها من الكبائر الباطنة كالغل والحسد يلام الإنسان عليها أكثر مما يلام علي الزنا السرقة وشرب الخمر.
وسوء الظن في الصدر بمثابة الحيات والعقارب والكلاب النابحة،وإذاكانت الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب فكيف لرحمة الله أن تدخل قلبا فيه كلاب سوء الظن تنبح؟!
فكم من سوء ظن هتلك ستورا وأوغر صدورا وأحدث أمورا وخرب معمورا وأدخل قبورا وكم شتت من شمل وفرق من جمع وباعد بين أحبه وهدم من بيوت
وكم من علاقات فصمت عراها بسبب سوء الظن
وأصحاب القلوب النقية يشتغلون بعيوبهم عن عيوب الناس، ومن اللافت للنظر في حياة الناس أنك تجد أكثر الناس تعييبا أكثرهم عيوبا ،وأكثر الناس ذنوبا أكثرهم بحثا عن ذنوب الناس ،وأعظم الناس خطايا أكثرهم بحثا عن خطايا محمدالناس،واذا أردت أن تنظر إلي العيوب مجتمعة في شخص فتأمل عيابا فإنما يعيب الناس بما هو فيه
وأسوء الناس من لا يثق في أحد لسوء ظنه ولا يثق فيه أحد لسوء فعله

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.