التحرش الجنسى.. دعوة لتأسيس مناهج الثقافة الأسرية
التحرش الجنسي.. دعوة لتأسيس مناهج (الثقافة الأسرية)
حمدي عبد العزيز
صحفي
إن المتحرش إنسان ذو سلوك مضطرب بصرف النظر عن عمره أو مستواه الاجتماعي أو الثقافي، ولكنه ليس مريضًا نفسيًّا، بل هو شخص مدرك لأفعاله ويعاني خللًا يجعله يتصرف بعنف تجاه الآخرين. وهناك الكثير من الأسباب النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وراء هذه الظاهرة التي يجب دراستها جيداً قبل وضع مقاربات لمكافحتها، ربما يأتي في مقدمتها غياب التربية على الأخلاق والضمير، والحياة في منظومات اجتماعية وسياسية عشوائية، تجعل سلوك الشخص مائلًا لكل أشكال العنف التي تعني التعدي والشعور بالتفوق معاً.
وهذه الظاهرة تترك آثاراً نفسية وأسرية واجتماعية سلبية بالغة، تفرض توعية الأطفال والأجيال القادمة بها وتدريبهم على مواجهتها، وبناء مناهج تعليمية (عربية) لا تختزل القضية في الرغبات الجسدية كما هو الحال في المناهج الحالية.
مناهج غربية!
لقد كان يكفي التلاميذ في السابق الأمور الخاصة بالطهارة والأحكام الشرعية للأسرة، لكن الآن فرضت العولمة نفسها علي كل بيت، حيث أصبح كل شيء متاح في التلفزيون والإنترنت، مما يعني ضرورة التوعية والتدريب مع الاحتفاظ بقاعدة الحياء، فالحياء من الإيمان ومن لا حياء عنده لا خير فيه.
وتقوم المدارس وبعض الجمعيات في الولايات المتحدة بإعداد برامج لتوعية الأطفال والمراهقين بالممارسات الجنسية وكيفية تجنب الآثار غير المرغوب فيها كالحمل، تحت شعار الدفاع عن حق الطفل في التعرف على جسده، وإشباع رغباته!.
أما في كندا، فقد فتتضمن مناهج تدريس التربية الجنسية للصفوف من الأول إلى الثالث، التعريف بمفردات أجزاء الجسم ووظائفها، وفي الصف الثالث يتم شرح الأعضاء الجنسية للذكر والأنثى، أما في الصف الرابع فيتناول المنهج الشذوذ الجنسي، وفي المرحلة الخامسة يتم تناول العادة السرية، وفي المرحلة السابعة يتم شرح العلاقات المثلية وأسبابها، أما في المرحلة الثانوية فيصل الأمر إلى شرح العلاقة الجنسية بين الذكر والأنثى، وفي كل المراحل تلك يستعان بأفلام توضح وتشرح كل شيء.
منهج جديد
لم تثر مسألة إدراج التربية الجنسية ضمن المقررات المدرسية، إشكالا في البلدان العربية فقط، فحتى الدول الغربية، ويبدو أن الجانب المؤيد لتدريس هذه المناهج قد نجح واكتسب أرضية قوية، دون النظر للحجج التي يقدمها الفريق المعارض.
ولا يجب أن نخفي حقيقة أن الأسرة العربية تعاني من نقص المعرفة والاهتمام بموضوع التربية الجنسية للأطفال وهذا ما يفسر بعض التصرفات عند التعامل مع الأطفالهم!، التي تتعلق بـ “العيب” في عصر أصبح كل شيء متاح حتى الأفلام الإباحية!.
إن الانفتاح التكنولوجي والمعرفي جعل الأطفال عرضة للانحراف وإن لم يبادر الآباء بالحديث عن مثل هذه الأمور وُيشعروا الطفل بالأمان فسوف يكون هناك بديل ونحن لا نعرف ما هو ومن هو؛ فقد يكون فيلم اباحي أو شخص منحرف أو معلومات خاطئة.! أما “العيب” فهو أن نتكتم على هذا الموضوع ونخسر صحة أطفالنا النفسية بسبب التعتيم.
مادة منفصلة
إن تدريس مادة منفصلة، ربما ويتضمن لوناً من الإثارة، ويمكن تدريس الثقافة الجنسية في إطار الثقافة الجسمانية التي تتناول الثقافة الفكرية السمعية والبصرية، حتى لا يتم التركيز على جزئية التمتع والإثارة وإشباع الرغبات وإهمال باقى أجهزة الجسم .
أو يتم تدريسها في إطار مادة الثقافة الإسلامية العام ، ويمكن أن تقسم إلى جزء يدرس ضمن الفقه، وهو ما يتصل بفقه الطهارة والغسل والفقه، وجزء يدخل فى مادة العلوم وهو ما يتصل بوظائف الأعضاء، وفى الاقتصاد المنزلي تدرج ضمن النظافة العامة وبعض النواحي الصحية.
إن مفهوم التربية الجنسية وتدريس منهج منفصل عنه يحمل مخاطر في مقدمتها: خطر اختزال التربية الجنسية في تعلم تقنيات ممارسة الجنس، خطر الخلط بين التنشئة الاجتماعية والتربية الجنسية.
أما خطر الخلط بين التنشئة الجنسية والتربية الجنسية، فيعني أن نتجنب التعامل مع الرجل والمرأة كمعطيين بيولوجيين إذ لا يجوز اختزال الرجل في ذكورته (الذكر) والمرأة في أنوثتها (الفرج). فالذكر والفرج معطيان بيولوجيان فقط، ويجب تنشئة الأطفال على التعاضد والتكامل وليس التراتبية وأدوار اجتماعية أعلى للذكر وأدنى للأنثى.
التربية الأسرية
ينادي تربويون بمصطلح الثقافة الأسرية بدلاً من مصطلح الثقافة الجنسية، مع أهمية أن يهيأ الجنسين للحياة الأسرية بما فيها العلاقة الجنسية بين الزوجين، وأحكام الزواج وأحكام الخلوة وحدود العلاقة مع أهل الزوج وحقوق الأولاد، وحقوق الجار وصلات الأرحام، والعلاقات الاجتماعية والإنسانية.
ولعل الأنسب لمجتعنا العربي مفهوم التربية الأسرية، ففي عمر الخامسة مثلاً بامكاننا أن نتحدث للطفل عن أن النباتات فيها الذكر والأنثى وأن هناك ما يسمى التلقيح الذي ينتج نباتاً جديداً، ثم تتحدث عن الحيوانات، مع لفت نظره الى الآيات التي ذكر الله فيها أنه خلق ذكراً وأنثى، وسرد قصة سيدنا لوط لكي نبين له أن هؤلاء خرجوا عن فطرة الذكر والأنثى فعذبهم الله.
وفى المرحلة الإعدادية نركز على حقوق الوالدين والعلاقات بين أفراد الأسرة وواجبات الأم والأب نحو أبنائهما، ويليه منهجاً فى المرحلة الثانوية يشمل اقتصاديات الأسرة وميزانية الأسرة وبنودها، وبالنسبة للبنات يتضمن الأحكام الشرعية المتعلقة بالحيض والطهارة وحرمة العورة، وكذلك الحجاب والعفة، والهدف هو أسرة واعية بحقوقها وواجباتها بالنسبة لكل أفرادها.
أما فى المرحلة الجامعية فيكون الشاب والفتاة على أعتاب الزواج، فيتضمن المنهج واجبات البنت كزوجة وأم وحقوقها كذلك، وأحكام الخطبة وحدودها وضوابطها، وأحكام الزواج والرضاعة والعلاقة الزوجية، وتوعية الشاب والفتاة بأن المتعة الجنسية حلال، ولكن فقط فى إطارها الشرعي المحدد بالزواج.
ولمساعدة الأسرة على تربية أولادها والمدرسة على تحقيق النجاح في هذا البعد التربوي الهام، لابد من إستراتيجية تربوية تتآزر فيها كل وسائل الإعلام ومؤسسات التربية والأسرة حتى تصل المعلومات الصحيحة لأولادنا ونربي جيلاً صالحاً قادراً على بناء أسر متماسكة وتربية أجيال جديدة .