الفن ضد الإرهاب

بقلم د/ أحمد عبد الصبور

الفن في مواجهة الإرهاب

أن الفن نقيض « الإرهاب » ، لأن الفن هو صناعة للحياة ، أما « الإرهاب » فهو صناعة للموت ، ولقد كان الفن عبر التاريخ إحدى الأدوات الفعالة في مواجهة العنف والتطرف والتعصب ، كما أنه هو الأسلوب المؤثر في وجدان الناس وتشكيل مشاعرهم .

يعتبر الفن الإنِتاج الإبداعي الإنساني حيث يعتبر لوناً من ألوان الثقافة الإنسانية ، وتعبير عن التعبيرات الذاتية وليس تعبيراً عن حاجة الإنسان لمتطلّبات حياته ، حيث يشكل فيه المواد لتُعبّر عن فكرة أو يُترجم أحاسيسه أو ما يراه من صور وأشكال يُجَسدها في أعماله ، رغم أنّ بعض العلماء يعتبرونه ضرورة حياتية للإنسان كالماء والهواء والطعام ، فهناك ما يسمّى بالفنون المادية : كالرسم ، والنحت ، والعمارة ، والزخرفة ، والتصوير ، والفنون غير المادية التي نجدها في الموسيقى ، والرقص ، والغناء ، والشعر ، والكتابة للقصص والروايات ، وكذلك أعمال الفن السابع مثل السينما ، والمسرح ، والدراما .

أما الإرهاب فهو أي عمل يهدف إلى ترويع فرد أو جماعة أو دولة بغية تحقيق أهداف لا تجيزها القوانين المحلية أو الدولية ، ويتخذ الإرهاب أشكالاً متعددة منها : الإرهاب الفكري ، والضغط النفسي ، والعنف الجسدي ، والتخريب ، والإكراه ، والتهديد ، والقتل الجنائي ، والتفجير ، والتصفية الجسدية أو المذهبية أو العرقية ، والتهجير ، والحصار الإقتصادي ، وإستخدام القوة العسكرية .

إن الفن يعتبر القوى الناعمة فهو يلعب دوراً إيجابياً في مواجهة الإرهاب وكان ومازال له دور فعال في مواجهة الإرهاب ومؤثر في التصدي للإرهاب والغزو الفكري ، أما الإرهاب فهو يعبر عن رسالة عشوائية ظاهرها العنف ومضمونها الجريمة ، وهى غالباً ما تكون رسالة بلا عنوان ، فالإرهاب مرض لعين ، وداء العصر ، ولن يجرفه أمامه إلا زحم كثيف من الفكر والعلم ، ومن المعرفة والثقافة ، ومن الأدب والفن .

أن القضية قضية فكر ورجال الفكر هم المعنين بحلها ، فمن خلال الكُتاب والمؤلفين ومن خلال إنتاج الأعمال الفنية السينمائية والمسرحية والدراما وغيرها ، نستطيع مواجهة الفكر الإرهابي ، حيث أن الفن ليس مجرد ترفيه ولكن له تأثير قوي في المجتمعات ، فيجب تكاتف جميع مؤسسات الدولة بداية من الأزهر ، و وزارة الثقافة ، و وزارة الشباب والرياضة ، وباقي مؤسسسات الدولة في مكافحة الإرهاب .

إن الفن لغة عالمية وتعبير مشترك بين البشر ، لذلك فإن دوره في بناء الشخصية وتكوين الأجيال الجديدة هو دور لا يخفى على أحد ، فمرحباً بالفن الراقي الذى يدفع الأمة للأمام ويعالج أمراض الشعب ويطارد جرائم المجتمع .

ومن القصص التي تظهر دور الفن في المجتمعات قصة لفنان الشعب ” يوسف وهبي ” ، فقد لاحظ « الرئيس الراحل ” جمال عبد الناصر ” » – بعد نكسة يونيو 1967 مباشرة –  تدهور معنويات الناس وشيوع حالة من الحزن المحبط ، فأوعز إلى الفنان الكبير الراحل « يوسف وهبي » بأن يتجول بفرقته في بعض المحافظات ، لعله يُسَرِّى عن المصريين في محنتهم ، ولأن مسرحيات « يوسف وهبي » مليئة بالفواجع وذات خط درامي إنفعالي ، فإنه عندما بدأ إحدى مسرحياته في مدينة « دمياط » ، أرتفعت بعض الأصوات ، قائلةً : «ي وسف بك إن فينا ما يكفينا نحن نريد أن نضحك بعد طول عبوس وحزن » ، ولقد روى هذة القصة الأستاذ الكبير « محمد حسنين هيكل » ، للتدليل على أهمية مخاطبة مشاعر الناس وتحريك وجدانهم عند اللزوم ، وإذا كان الفن هو التعبير الراقي عن مجموعة النسب المتجانسة بين مكونات مختلفة لحدث بذاته – وإذا كانت الأعمال الدرامية الكبرى قد تمكنت من تغيير نفسيات الشعوب وسلوك المجتمعات – فإن علينا أن نعتصم بالفن ، إذ إنه مفتاح الأبواب المغلقة والقلوب الكسيرة .

فبالطبع للفن دور كبير في تغيير سلوك الإنسان وبالتالي محاربة الإرهاب لأنه يهذب الروح ويزيل الحواجز بين ثقافات العالم المختلفة ويدعو إلى قيم السلام وقبول الآخر .

إن الدراما والسينما المصرية هى أول من دق ناقوس الخطر ونبهت العالم العربي للإرهاب وتأثره الخطير على المجتمع في عدة أعمال ، فعلينا أن نتعلم من تجربة العراق التي كانت من أغنى الدول العربية ثقافياً ومادياً وأنجرفت وراء المؤامرات الخارجية التي أضعفته ومزقت شعبه واليوم تتعرض مصر لنفس المخطط الممنهج لتقسيم مصر وجرها لمستنقع الإرهاب والفتن ولا سبيل للنجاة منه إلا بتفعيل دور الفن والثقافة والإعلام والأزهر الشريف و تطوير مناهج التعليم لنشر الثقافة الوسطية ومحاربة الأفكار المتطرفة التي تعج بها بعض القنوات التليفزيونية وللأسف بعض الأعمال الدرامية التي تروج للبلطجة والعنف ، فإذا أردت أن تتعرف على هوية شعب فعليك أن تتعرف على فنونه وثقافته ، إن الفن والثقافة هما القوى الناعمة التي تعتمد عليهما القوى السياسية في توجيه المجتمع المصري .

أن أشهر الفنانين الذين ساهموا بأعمال كثيرة للتصدي للغزو الفكري والإرهاب هو فنان مصر زعيم الكوميديا ” عادل إمام ” لإيمانه بدوره تجاه المجتمع ، ولا ننسى قول الفنان ” محمد صبحي ” : ” الفن ممكن أن يصلح المجتمع كما يمكن أن يفسده ” ، وأشهر الكتاب والمفكرين الذين تصدوا للإرهاب هو المؤلف ” وحيد حامد ” ، ولا ننسى ما قاله الموسيقار ” عمر خيرت ” : الموسيقى سلاح قوى أمام الكراهية فالموسيقى تشفي الوجدان وتحارب الإرهاب الذي يأتي من الكراهية والإكتئاب ، حيث أن الموسيقى لها تأثير قوي ومن الأسلحة الفتاكة التي تقف أمام الإكتئاب ، وغيرهم كثيراً من الفنانين المؤمنين بالرسالة التي يجب إرسالها لكل فرد في المجتمع .

إن للفنون قوة وتأثير في تقويم السلوك البشري ، فلا يمكن أن نرى من يحمل آله موسيقية أو محب للفنون يحمل سلاحاً ، ويمكن للفن أن يواجه هذا التطرف من خلال بناء الإنسان و التواصل المباشر مع المواطنين وتحقيق العدالة الثقافية والفنية في ربوع الوطن ، إن المواجهة ليست أمنية فقط وإنما فكرية أيضاً ، فيجب على الدولة عمل دورات تدريبية دائمة وورش عمل « للثقافة الإسلامية » بُغية ملء الفراغ الفكري لدى الأجيال الجديدة ، التي تشكل مساحة كبيرة تعمل جماعات التطرف والإرهاب على تجنيدها ، وعمل ندوات ومحاضرات دائمة تجيب عن الأسئلة المتعلقة بالإسلام عقيدة وثقافة ، وترد على الأفكار المغلوطة ، وتشكل مجالاً لتكوين الرؤى الوسطية الخالية من التعصب ، ويجب عمل ندوات تركز على الهوية المصرية وكذلك أنشطة فنية تحافظ على الهوية الثقافية ، ويجب إعادة مشروع القراءة للجميع وتقديم أفكار ومشاريع جديدة متطورة لخدمة القضية من أجل وطننا مصر وأجيال مصر القادمة .

أحمد عبد الصبور
أحمد عبد الصبور

 

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.