د/أحمد مقلد
نعم فالعنوان صادم والمعنى أشد صدمة والواقع يحمل كل الصور، فلا مجال للتعبير بغير الصورة الحقيقية لما نعاني منه، فنحن قد انغمسنا في الحياة لننهل أحلي ما فيها وفي سعينا لهذا الأمر أنهكنا أجسادنا، وعقولنا ومشاعرنا فسارت تصرفاتنا تقاس بمقدار تفاعلاتنا وردود أفعالنا مع احتياجاتنا الشخصية،.
كيف فقدنا الإنسانية
وبعيداً عن الأخذ في الاعتبار أنه قد يضر بمشاعر من حولنا لذا فإننا قد فقدنا أهم ما لدينا وهو الإنسانية، وصرنا نبحث عمن يدافع عن حقوق الإنسان في الحياة.
التحول من النمط الإنسانيإلى النمط النفعي
ومع تصاعد الأزمة وتحولنا في نمط حياتنا نتيجة القهر والمعاناة من الشاعرية والإنسانية الي البرجماتية النفعية، مما دفعنا لأن نتحول في تعاملاتنا لاستخدام المادة والنفعية كوسيلة لقياس تفاعلنا وتعاملنا مع من حولنا، وقد أصبح تفاعلنا قائم على المصالح، حتي قيل ” المصالح تتصالح”، وتحولت مشاعرنا الداعمة للإنسانية والمدفوعة بمشاعر العطف والرحمة في تفاعلاتها المجتمعية والتي كانت تبني خطوط وجسور الوصل لبناء المجتمعات إلي قيم وقواعد جديدة ومدفوعة بتوجهات قائمة علي الذاتية وإظهار مشاعر الأنانية، حتي فقدنا دورنا في خدمة مجتمعنا.
الاهداف الإنسانية وعلاقتها بالمصلحة
بعض الأهداف الإنسانية المصبوغة بالمصلحة
وأصبح أي توجه فردي أو جمعي مدفوع بأهداف قائمة على أسس مستحدثة ووفق ما يحقق النفع الخاص وليس من واقع الرضا بأهمية الدور وأهمية التفاعل الإيجابي للأداء. فنجد كمثال بعض رجال الأعمال يصرفون ببزغ على مبادرات وأنشطة في نطاق دوائرهم المغلقة بهدف الدعاية للانتخابات على اختلاف نوعها ونيل الجماهيرية المفتعلة وهذا التوجه في ظاهره الدعم والتعاطف مع مستحقي هذه الفاعليات والداعمة للحالات المستحقة للدعم، وربما يظهر لنا مقدار خسارتهم المالية وجهدهم الدؤوب في هذا التوجه خاصة في وقت الاستحقاقات الانتخابية.
الهدف يستحق النفقة
ولكن للأسف هذه النفقات ليست في حقيقتها بخسارة مالية لمن ينفقها من ذوي النفوذ وأصحاب المصالح، لكون الهدف يستحق النفقة فهو لن يقبل الخسارة في الانتخابات ولكن في حقيقة الأمر هي وسيلة لكسب رصيد شعبي ووسيلة لإظهاراً الجماهيرية المفتعلة خاصة في السرادقات والتجمعات الانتخابية.
ومع هذه الفائدة يتم إضافة فوائد أخري وذلك من خلال خصم تلك النفقات الخيرية والداعمة في ظاهرها للمجتمع المحلي من مدارس ومساجد ومؤسسات طبية وتعليمية وقوافل طبية، علي أن تخصم من الوعاء الضريبي للنشاط التجاري لهذا الشخص، لذا لابد أن نكون عقلاء في اختيارنا ومراقبين لتصرفاتنا والتي قد لا تخلوا دائما وابدا من المصلحة الشخصية والحاجة لتقدير الذات،.
تفاعلات فردية تحدث انتهاكات
للخصوصية
ومع هذه التفاعلات الفردية والمجتمعية يحدث الانتهاك لخصوصية الأفراد ولأدمية البشر فنحن قد تحولنا لوحوش كاسرة ولم نطبق الحديث الشريف عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء الرحم شجنة من الرحمن فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله».
تحول نمط التعاملات
تحول نمط التعاملات الإنسانية إلى التحول الإلكتروني
وفي نهاية كل مسعي تكون النتيجة ومع هذا التحول البشري في التعاملات الإنسانية، والقائمة على التراحم والدعم النفسي القائم على العطاء بلا انتظار مصلحة او الرغبة في تحقيق أي هدف، والتحول نحو النفعية وقياس العلاقات بمقدار النفعية والفائدة التي تتحقق من أي تفاعل بشري أو مجتمعي، حتى أصبحنا نعيش في مجتمعات إلكترونية، ونتواصل عبر قنوات غير مباشرة تعرف باسم وسائل التواصل الاجتماعي، مما أفقدنا العلاقات والتعاملات المباشرة حتى في المناسبات والفاعليات التي تتطلب الحضور لدعم صاحب الحدث فرحاً أو حزناً.
قواعد مجتمعية جديدة
وأصبحت تفاعلاتنا حتى في الأمور الحياتية تسير من خلال نظام العزل المنزلي وفق قواعد مجتمعية جديدة من خلال التسوق الالكتروني كبديل للتسوق من المحلات التجارية، والتحول لطلب الوجبات الجاهزة كبديل عن متاعب تجهيز الأطعمة.. إلخ،.
والآن وقد وضحت المعني وأطلقت لنفسي العنان للتعبير والتمثيل عن هذا الفعل وهذا السلوك الذي لو ظل يحاصرنا لفقدنا إنسانيتنا ولتحولنا إلى جوامد لا تملك المشاعر أو ربما تمتلكها ولكن في صورة متجمدة
أوقات صعبة هي بداية التحول من العاطفة للمادية.
وهنا وفي هذا الموضع تذكرت ما كتبه شارلز ديكنز في قصته العالمية المشهورة وفي بداية القصة Thomas Gradgrind وقد اعتاد توماس جرادجرایند أن يقدم نفسه، دائما بنفس الألفاظ. «توماس جراد جراند، یا سیدی! رجل الوقائع رجل الحقائق والحسابات. رجل يسير على مبدأ أن اثنين واثنين، تكون أربعة ولا أكثر من ذلك. رجل لا يسمح بإمكان وجود شيء أكثر. ثوماس جرادجرایند، يا سيدی.
يضع في جيبه، دائما، مسطرة وكفتي ميزان، یا سیدی، مستعدا ليزن ويقيس أي طرد من الطبيعة البشرية، ويخبرك بماهيته، بالضبط. إنها مسألة أرقام، وحالة حساب بسيط يمكنك أن تأمل في ادخال اعتقاد غير معقول، في رأس جورج جرادجرایند، أو في رأس چون جرادجرایند أما في رأس ثوماس جرادجرایند، فلا، يا سيدي».
جرادجرایند يسعي لقتل الخيال والعاطفة
ولم تنتهي المناقشة عند هذا الحد بل هاجم “جورج جرادجرایند” الفتاة رمز الرومانسية والخيال والعاطفة حين وجه حديثه نحوها فهي كانت تسمي من أبيها تدليلاً “سيسلي” فحولها إلى سيسليا جوب ثم حولها إلى الاسم الجديد “الفتاة رقم عشرين”
فقال: «هل ستضعين سجادة في حجرتك أو في حجرة زوجك، مزخرفة بالأزهار؟ لماذا ذلك؟» فأجابت الفتاة بقولها: «من فضلك يا سيدي، أنا مولعة جدا بالأزهار”. فرد عليها بقوله: «يجب أن تسيري على نظام الحقيقة،.
وتحكمك الحقيقة. ينبغي أن تنسى كلمة تصور، تمام النسيان. الواقع أنك لا تسيرين فوق ازهار. ولذا لا يسمح لك بالسير فوق أزهار في الطنافس».
ولكون ما سبق كان تكهن بالتحول الكامل للإنسانية من العاطفة الي الجمود في الوصف والتعريف والجفوة في التعامل لذا هل سنظل نسير نحو هذا التحول أم سوف نعود لسابق عهدنا وترابطنا كما كان فحتي أبناء الريف فقدوا ترابطهم بعدما كان يتهم أبناء المدنية بذلك لذا وفي ظل التقليد الأعمى أصبح الجميع وفي كل مكان لا يسعي الا وفق رغباته واحتياجاته وبمؤشر المصلحة،.
لذا كان الإنهاك لأرواحنا والانتهاك لطبيعتنا البشرية.