سُوْرَةُ الكَوْثَر أسباب النزول وتفسير السورة بقلم/ ســـوسن محمـــود

سُوْرَةُ الكَوْثَر هي سورة مكية، وقيل مدنية، ترتيبها 108 بين سور المصحف وعدد آياتها ثلاث آياتٍ، وهي أقصر سور القرآن الكريم إذ تتكون من عشر كلماتٍ واثنين وأربعين حرفاً، وفي ترتيب القرآن الكريم تقع بعد سورة الماعون وقبل سورة الكافرون. وهي السورة الخامسة عشر من حيث النزول (عند من يرجح أنها مكية)، فقد نزلت بعد سورة العاديات وقبل سورة التكاثر.

سُوْرَةُ الكَوْثَر

تتحدث السورة عن فضل الله تعالى على النبي محمد بن عبد الله، فقد أعطاه نهر الكوثر، وهو أحد أنهار الجنة،

▪️فعن عبد الله بن عمر: قال رسول الله
«الكَوْثَرُ نهرٌ في الجنةِ حافَتَاهُ من ذهبٍ ومَجْرَاهُ على الدُّرِّ والياقوتِ تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ من المِسْكِ وماؤُهُ أَحْلَى من العَسَلِ وأَبْيَضُ من الثَّلْجِ»، وأمر الله نبيه في السورة بإدامة الصلاة، ونحر الهدي شُكرًا لله، وبشره في نهايتها بخزي أعدائه، وأن مبغضيه سينقطع ذكرهم.

تفسير سُوْرَةُ الكَوْثَر

تبدأ السورة بخطاب الله تعالى لنبيه قائلاً إنه أعطاه نهر الكوثر أحد أنهار الجنة وعليه حوضه الذي سترد عليه أمته يوم القيامة وكل من شرب من حوضه لن يظمأ من بعد أبداَ، وهُناك من قال إن لفظة الكوثر يُعنى بها الخير الكثير الذي وهبه الله لنبيه كالنبوة والقرآن الكريم والشفاعة، ثم أمر الله نبيه في الآية الثانية بإدامة الصلاة لله الخالق ربِّ السماوات والأرض، وبذبح النسك طاعةً له -عز وجل-، وفي الآية الثالثة يصف البيان الإلهي الرجلَ الذي يبغض النبي وشمت بوفاة أبنائه الذكور -ويُرجح أنه العاص بن وائل السهمي- بالمُنقطع عن كل خير أو المنقطع العقب.

سبب نزولسُوْرَةُ الكَوْثَر

نزلت في العاص بن وائل السهمي، كان واقفاً مع النبي يكلمه، فقال له جمعٌ من قريش: مع من كنت واقفاً؟ فقال: مع ذلك الأبتر -وكانت العرب تُسمي من لا عقب له من البنين الأبتر-
 وكان عبد الله إبن النبي قد توفي قبل هذه الحادثة، فأنزل الله تعالى الآية تتوعد قائل هذا بأنه مقطوعٌ ذِكْرُهُ في الدُنيا والآخرة.
قال عبد الله بن عباس أيضاً في سبب نزول الآية: «كان أهل الجاهلية إذا مات ابن الرجل قالوا: بُتر فلان. فلما مات عبد الله ابن النبي صلى الله عليه وسلم
 خرج أبو جهل إلى أصحابه فقال: بُتر مُحمد؛ فأنزل الله جل ثناؤه: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ وقال شمر بن عطية إن المقصود بالآية عقبة بن أبي معيط.
ورُوي عن ابن عباس أيضاً أن الآية كانت جواباً لقريش حينما قالوا لكعب بن الأشرف سيد يهود المدينة لما قدم مكة: «نحن أصحاب السقاية والسدانة والحجابة واللواء، وأنت سيد أهل المدينة، فنحن خيرٌ أم هذا الصُّنَيْبِرُ الأبتر من قومه؟ [أي المنقطع عن قومه]»، فقال لهم: «بل أنتم خير»، فنزلت في كعب:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً (سورة النساء/

اختلف علماء التفسير في سُوْرَةُ الكَوْثَر مكيةٌ أم مدنيةٌ؟

الجمهور وأغلب المُفسرين على أنها مكية لأن القاسم وعبد الله ابني النبي تُوفّيا في مكة، فيما رأى آخرون مثل الحسن البصري، ومُجاهد، وعكرمة، وقَتادة أنها مدنية مُستشهدين بأن صلاة العيدين فُرضت في السنة الأولى للهجرة، وبحديث أنس بن مالك في صحيح مسلم: «بَينا رسولُ الله ذاتَ يومٍ بين أظهرنا إذْ أَغفى إغْفاءَةً ثُمَّ رَفعَ رأسَهُ مُبتسماً فقلنا: ماأضحكك يارسولَ الله؟
▪️قال: “أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفاً سُورَةٌ”، فقرأ: “بسم الله الرحمٰن الرحيم. إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ. فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ. إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ”،
ثم قال: “أَتَدرون ما الكوثرُ؟” فقلنا: الله ورسولُهُ أعلمُ. قال: “فإنَّه نهرٌ وعدَنِيهِ ربي عز وجل، عليه خيرٌ كثيرٌ، هو حوضٌ تَرِد عليه أُمتي يوم القيامة، آنيتُه عددُ النجوم، فَيَخْتَلِجُ العبد منهم فأقول: ربِّ إنه من أُمتي، فيقول: ماتدري ما أحدثَ بعدك”»

تفسير سُوْرَةُ الكَوْثَر

يقول الله سبحانه:
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1] هذا خطاب للنبي ﷺ، والكوثر: نهر في الجنة رآه لما عرج به عليه الصلاة والسلام، نهر عظيم في الجنة، يصب منه ميزابان يوم القيامة في حوضه ﷺ الذي في الموقف يوم القيامة.

فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2] يعني: شكراً لله، صل له ما أمرك الله به من الصلاة، وقال بعضهم: معناه صلاة العيد، ( وانحر) يعني: اذبح الضحايا والآية أعم، تعم الصلوات كلها وتعم النحر كله، من الضحايا وغير الضحايا، كلها تنحر لله سبحانه لا لغيره جل وعلا، ولكن صلاة العيد وذبح النحر داخل في ذلك.

(فصل لربك) لا لغيره، يعني: صل له وحده سبحانه وتعالى، الصلوات الخمس صلاة العيد، وصلاة الجمعة كلها لله وحده، وهكذا صلاة النافلة كلها لله. وهكذا النحر، كما قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162].

فالصلاة لله والنحر لله، كما أن الصدقة لله والسجود لله والدعاء لله، ليس لمسلم أن يدعو غير الله، ولا أن يسجد لغير الله، ولا أن ينحر لغير الله، بل يجب أن تكون أعماله لله وحده سبحانه وتعالى.

إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:3] (الشانئ): المبغض المعادي، و(الأبتر): هو الناقص المقطوع، فالمبغض للنبي ﷺ وشانئه هو الأبتر في الدنيا والآخرة، المقطوع الصلة بالله عز وجل، والصلة بأسباب السعادة، وليس له إلا النار نعوذ بالله.

سُوْرَةُ الكَوْثَر  تمت بحمد الله

 

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.