الإنجيليون وترامب٠٠٠ ونهاية الخرافة الوعي والذاكرة الجريحة
الإنجيليون وترامب٠٠٠ ونهاية الخرافة
الوعي والذاكرة الجريحة
بقلم/سليم النجار
اختلفت صورة الولايات المتحدة الأمريكية في الوطن العربي عن صور غيرها من القوى الغربية اختلافاً كبيراً منذ القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، ففي حين رأى العرب؛ بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإلى حد ما ألمانيا؛ قوى استعمارية مهيمنة ومتسلطة سلبت البلدان العربية حريتها ونهبت ثرواتها، كانت رؤيتهم لأمريكا على نقيض ذلك تماماً. فالعرب لم يعهدوا أمريكا قوة استعمارية طامعة في بلادهم تريد اقتناص ثرواتها، بل عهدوها شريكاً تجارياً يتعامل معهم وفق قوانين السوق، ولا يملي عليهم شروطه، كما رأوا في النشاط الثقافي والخيري الذي قامت به الإرساليات التبشيرية الأمريكية في مصر وبلاد المشرق العربي عاملاً مساعداً للإصلاح والنهضة العربية، وذلك على الرغم من معارضة الكنائس العربية لذلك النشاط الذي كان توسّعه يفقدها بعض أتباعها.
الكاتب والصحفي رجا طلب فنّد هذه الذاكرة العربية الجريحة تجاه أمريكا من إصداره الجديد( الإنجيليون وترامب- نهاية الخرافة) الصادر عن دار هبه ناشرون وموزعون. وعلى الرغم من قيمة الكتاب المعرفية، وقدرة الكاتب في الكشف عن مدارات التاريخ للشخصية الأمريكية السياسية المؤيدة إلى “إسرائيل” التي يدفع بها عميقاً نحو المتخيل الذي لا يستعيد فقط الوقائع، ولكن كذلك المخيلة الشعبية التي نمت على حافات الموقف من أمريكا في وقتنا المعاصر.
كتاب رجا طلب تجربة أولى بهذا الاتجاه، ومغامرة تُحسب له في الكتابة عن شخصية ترامب ومآلته الدينية:( بعد وفاء ترامب بوعده لأدلسون بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة أبدية لاسرائيل أعلن المياردير اليهودي عن استعداده لتحمل تكلفة بناء مبنى السفارة الأمريكية في القدس والتي قدرت بأكثر من مليون دولار ص٥٠).
كتاب رجا طلب قراءة في حوار الحضارات- ليس الحوار الذي يفترض منتصراً ومهزوماً، ولكنه حوار يفضي إلى إجابات حتى ولوكانت قلقة وغير قادرة على استيعاب التعصب الديني الإنجيلي.
كما يدعو الكتاب إلى إعادة تشكيل الوعي لكل الذين انغمسوا في تزييف الذاكرة العربية، التي صوّرت أمريكا صديقة للعرب:(ازداد مصطلح “الانجيليين” خلال السنوات القليلة الماضية وتحديداً بعد توقيع ترامب على قراره المشؤوم بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس الشرقية والاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لاسرائيل حسب التعبير التوارتي في أواخر عام ٢٠١٧ ص٦٠).
لقد أتاح لنا رجا طلب على امتداد كتابه إلى التنبه لخطورة الإنجيليين، عندما أشار إلى أبرز معتقداتهم:(*استعمال العبربة لغة الصلاة في الكنائس * نقل يوم ذكرى قيام السيد المسيح بأن تعلن التوارة أي عهد القديم دستوراً لبريطانيا ص٦٨).
وهنا يبرز سؤالان مهمان نستنتجهما من كتاب رجا طلب المعنون (الإنجيليون وترامب٠٠٠ نهاية الخرافة): السؤال الأول: كيف يمكن أن تنشأ في مخيلة شعب صُور نمطية سيئة عن أمة أو عقيدة أخرى لم يحتكّ بها أو يختلط بها هذا الشعب أو الحكومة؟ فإن نشأت هذه الصُوًر وذاعت ثم رسخت؛ ألا يعني أن هناك جهودا خارقة وتركيزاً فائقاً بُذل في “صنع” هذه الصورة فجأة ثم ذيوعها ورسوخها؟ ألا يعني أيضاً أن معظم هذه الصور، إن لم يكن كلها، صور عاكسة بالمعنى الكامل، أي أنها أو معظمها صور مصطنعة لأغراض محدّدة، وليست نتيجة عملية تطورية؟ والسؤال الثاني: كيف أمكن تمرير كذبة كبرى على الشعب الأمريكي أقنعته بأن الأمة العربية والإسلامية تكره أمريكا والأمريكيين، وتكره بصفة خاصة مؤسساتهم وحرياتهم ودستورهم وتقدمهم التكنولوجي والعلمي؟ ونعرف أن الكراهية لأمريكا من قبل العرب والمسلمين ليست فطرية، كما تذهب الكذبة الكبرى التي ترّوج لها الماكينية الإعلامية الإنجيلية. ونعرف أيضاً ان الممارسات الأمريكية هي التي تدفع إلى هذه الكراهية:(السناتور توم ديلي: من رجال الكونغرس المتنفدين وتبنى مشروع قرار دعم الولايات المتحدة الأمربكية المطلق “إسرائيل” بأنها نبع الحرية، تبرع له اليهود أثناء حملته الانتخابية الأخيرة بمبلغ ١٢ مليون دولار ص ٧٧).
كتاب “الإنجيليون وترامب ونهاية الخرافة” عزز مساحات عريضة في ذاكرة الإنسان العربي تجاه الإنجيليين وممارستهم، بالإضافة إلى نسيان حروف الهجاء واعتماده لغة الأرقام والتوثيق.