المنشغلون بعيوب الناس

المنشغلون بعيوب الناس

بقلم/ دكتور احمد يوسف الحلواني

قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: أَدْرَكْنَا قَوْمًا ‌لَمْ ‌تَكُنْ ‌لَهُمْ ‌عُيُوبٌ، فَذَكَرُوا عُيُوبَ النَّاسِ فَذَكَرَ النَّاسُ لَهُمْ عُيُوبًا؛ وَأَدْرَكْنَا أَقْوَامًا كَانَتْ لَهُمْ عُيُوبٌ فَكَفُّوا عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ فَنُسِيَتْ عُيُوبُهُمْ.

الجزاء من جنس العمل

وذلك لأن من اغتاب اغتيب، ومن عاب عيب، مَن تكلَّم، تُكلّم فيه. مَن عاب، عيب. مَن سب، سُب. مَن انتقص، تُنقص، ومَن ازدرى، ازدُريَ به وعليه.

هذا هو، عدل وقصاص، قصاص!
فبحثه عن عيوب الناس يورث البحث عن عيويه، ولعل في قاعدة ” الجزاء من جنس العمل ” زاجرًا للذين يخوضون في عيوب الناس، فيكفوا عنها خشية أن يعاملوا بالعدل، فإن البلاء موكَّلٌ بالقول.

وعن الأعمش قال: سمعت إبراهيم يقول: ” إني لأرى الشيء أكرهه، فما يمنعني أن أتكلم فيه إلا مخافة أن أبتلى بمثله “
لا تهتكن من مساوي النَّاس ما سترا … فيهتك الله سترًا عن مساويكا
واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا … ولا تعب أحدًا منهم بما فيكا

فإنَّكم في ممرِّ الليل والنهار في آجالٍ منتقصة، وأعمالٍ محفوظة، والموت يأتي بغتةً، فمن يزرع خيرًا يوشك أن يحصد رغبةً، ومن زرع شرًّا فيوشك أن يحصد ندامةً، ولكلِّ زارع مثل الذي زرع، لا يسبق بطاءٌ بحظِّه، ولا يدرك حريصٌ ما لم يقدَّر له، فمن أعطي خيرًا فالله أعطاه، ومن وقي شرًا فالله وقاه، المتقون سادة، والفقهاء قادة، ومجالسهم زيادة.

https://www.elmshaher.com/%d

قال معروف بن فيروز الكرخي – قدَّس الله سره، ورضيَ الله عنه وأرضاه، علم من كبار أعلام أولياء هذه الأمة المرحومة – من علامة الخذلان ومقت الرب للعبد أي كره الله الشديد، للعبد – اشتغاله بـ عيوب الناس، عن عيب نفسه.

لا هم له إلا أن يُقيِّم، هؤلاء صالحون وهؤلاء طالحون، هؤلاء منا وهؤلاء ضدنا، هؤلاء من أهل الجنة وهؤلاء من أهل النار، وهؤلاء… وهؤلاء.
روى أبو بكر البزّار – رحمه الله تعالى، الإمام الجليل – في مُسنَده، قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – طوبى لمَن شغله عيبه عن عيوب الناس.

الأعضاء كلها تُكفِّر اللسان

وفي حديث الإمام أبي عيسى الترمذي أيضاً – رضيَ الله عنه وأرضاه -، قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – إذا أصبح العبد، أصبحت الأعضاء كلها تُكفِّر اللسان، أي تتذلل الأعضاء له، تتوسل إليه، أي وتقول له بالله اتق الله فينا.

الأعضاء كلها! كل أعضاء البدن – النبي يقول – تُصبِح تُكفِّر، تخضع وتتذلل، تتوسَّل إلى اللسان وتقول له اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت، اسقتمنا، وإن اعوججت، اعوججنا.
يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوۡلٗا ‌سَدِيدٗا.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.