فستان أبيض يشعل الغضب: مي فاروق في مرمى نيران التنمر الاجتماعي!
نحن نعيش في أسوأ عصر، عصر السوشيال ميديا، حيث يُرصد كل تفاصيل حياتنا، أصبح التعبير عن الفرح الشخصي عرضة للنقد و الانتقاص، لم يعد الاحتفال لحظة خاصة، بل تحول إلى مادة دسمة تناقش على العلن، و غالبا تُغرقها السلبية.
بقلم: ريهام طارق
في قصة تمثل واقعا مرير، عندما اختارت المطربة مي فاروق أن تبدأ فصلًا جديدا من حياتها بعد ست سنوات من الانفصال، و تزوجت من الفنان محمد العمروسي رجلا من نفس خلفيتها الاجتماعية، وشعرت معه بالحب والأمان الذي تستحقه، أقامت حفل زفاف بسيطا تعبر فيه عن سعادتها بهذا الزواج ،ووجدت دعما من أولادها الذين رأوا في هذا الزواج مصدرًا لفرحة والدتهم واستقرارها.
لكن، ما كان يفترض أن يكون لحظة فرح تحول إلى ساحة معركة على مواقع التواصل الاجتماعي، انهالت التعليقات السلبية، لا أراها غير أنها في منتهى القسوة و البشاعة ، كلمة “عجوز” تكررت كـ طعنة في كرامتها، و تجرأ البعض على تقديم “فتاوى” خاصة بهم بأن المطلقة لا يجب أن ترتدي فستان أبيض، بل حتى لا يحق لها الاحتفال بزواجها.
اقرأ أيضاً: ريهام طارق: العمر أثمن من هدره في علاقة سامة مع شخص مؤذي
أين نحن من قيم الرحمة والإنسانية؟
هل أصبحنا في زمن تقاس فيه حقوق الإنسان بعمره أو حالته الاجتماعية؟ من منح هؤلاء الحق في الحكم على حياتها أو على فرحة أولادها؟
هذه القصة تطرح تساؤلات عميقة عن الدور السلبي الذي تلعبه السوشيال ميديا في تعزيز ثقافة العار و التنمر، فمن قال إن المرأة، المطلقة أو غيرها، لا يحق لها أن تعيش الحب من جديد أو ترتدي ما يعبر عن فرحتها؟ هل أصبح الزواج في الأربعين إثمًا؟
من يري أن له الحق يحكم على الآخرين، ما هو إلا انعكاس لعقلية متخلفه تعود بنا إلى عصور الجاهلية، حيث كانت المرأة تقيم وفق قوالب قاسية لكن، لمجتمعنا أن يتذكر أن الإسلام، دين الرحمة والتسامح، لا يقيد السعادة ولا يمنع الحب، طالما كان في إطار الحلال.
نحن اصبحنا نعيش في عالم تصدر فيه الأحكام من وراء الشاشات ويُقاس فيه الإنسان بمعايير ضيقة وضعتها شريحه عقيمه من المجتمع المصري ، بات الحب والزواج بعد سن معين أشبه بتحدٍّ يُخاض ضد موجة من الانتقادات والأفكار المسبقة، لكن، هل هناك حقًا عمر يُمنع فيه الحب؟ وهل تخضع المشاعر لأرقام الهوية .
الحب شعور إنساني يتجاوز حدود الزمن والجسد:
الحب شعور إنساني يتجاوز حدود الزمن والجسد، هو احتياج طبيعي ينعش الروح ويمنح للحياة معني قد يولد الحب في العشرين أو الأربعين أو حتى المائة، الحب لا يخضع لقوانين البشر، فكيف لنا أن نمنع إنسانا من تجربة أعمق مشاعر الإنسانية فقط لأنه تجاوز عمرًا من وجهه نظرهم العقيمه غير مناسبًا للحب والزواج؟
الزواج ليس حكرا على عمر محدد:
في مجتمعنا، لا يزال الزواج في عمر متقدم ينظر إليه بعيون مليئة بالدهشة، و أحيانًا بالسخرية،لماذا؟ لأن البعض اختزل الزواج في كونه واجبا اجتماعيًا يجب أن يتم في “وقت معين”، وليس حقا إنسانيا يمارس في أي وقت يريده الإنسان.
لكن الحقيقة هي أن الزواج، والحب، لا يعرف عمر، إنه شراكة روحانية، وسعي نحو الاستقرار النفسي والعاطفي، فهل يجب على من تجاوزوا سن الأربعين أن يعيشوا الوحدة فقط لإرضاء نظرة المجتمع؟
لا تستكثروا السعادة في غيركم:
من المؤلم أن ترى البعض يُنكر على الآخرين سعادتهم لمجرد أنهم عاجزون عن تحقيقها أو لأنهم يعانون الوحدة، يقال إن السعادة معدية، لكن لماذا أصبح الحقد هو العدو الذي يُطفئ فرح الآخرين؟
الحياة مليئة بالتحديات، والوحده اقسي شعور يمكن أن يعيشه الإنسان، خلق الله حواء لتكون أنيس لآدم، فقد شعر آدم بالوحدة وهو يعيش في الجنة، لذلك خلق الله له حواء لتكون له رفيقة و ونسًا، فكيف نحرم ما احله الله.
إذا وجد أحدهم الحب في أي مرحلة من عمره، فإن الواجب الإنساني هو تشجيعه لا احباطه فمن نحن لـ نحكم على حياة غيرنا؟
اقرأ غ: أحمد زعيم يستعد لطرح أحدث ألحانه بصوت المطربة أمل منسي
رسالة إلى مجتمع السوشيال ميديا:
توقفوا عن النظر للحب والزواج على أنهما رفاهية مرتبطة بعمر العشرين فقط توقفوا عن التقليل من قيمة مشاعر الآخرين، وعن إلقاء الأحكام الجاهزة على خياراتهم، الحب والزواج هما حق إنساني، ورفض ذلك يعكس ضيق أفق وقسوة لا تليق بمجتمع يدعي التقدم والرقي.
الحب لا يحتاج إلى بطاقة هوية، والزواج لا يتطلب شهادة ميلاد حديثة، دعوا الناس يعيشون لحظات فرحهم كما يريدون، وتذكروا أن الحياة أقصر من أن تُستهلك في إطلاق الأحكام.
قبل أن تضغط على زر “إرسال” لتوجيه تعليق مؤذي لشخص ما، اتقي الله و تذكر أن الفرحة ليست جريمة، والاحتفال بالحب حق لا يرتبط بعمر أو حالة اجتماعية، إننا بحاجة إلى إعادة التفكير في الطريقة التي نحكم بها على الآخرين.
ما حدث مع مي فاروق هو صورة مصغرة لما يحدث يوميًا مع آلاف النساء والرجال الذين يعبرون عن مشاعرهم و يواجهون بالرفض والنقد، لنتذكر أننا جميعًا مسؤولون أمام الله عن أفعالنا و أقوالنا.
دعوا الناس يعيشون حياتهم كما يرغبون، طالما أن سعادتهم لا تؤذي أحدًا.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} سوره الحجرات (11)
قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [سورة البقرة:281].