حسن العدل ميزان حساس يلتقط أدق المشاعر و يترجمها بسلاسة آسرة

حسن العدل.. براعة الأداء بين القسوة والإنسانية المفقودة

منذ اللحظة الأولى لظهوره في مسلسل”صفحا بيضا”، ، نجح الفنان حسن العدل في تجسيد شخصية الأب القاسي و الأناني ببراعة تحسب له، إذ قدم دور الرجل الذي لا يرى سوى مصلحته الشخصية، متقمصا ببراعة شخصية الزوج المزواج والمادي الذي يتنقل بين النساء و كأنهن محطات عابرة، دون اعتبار لأي التزام أخلاقي أو إنساني.

بقلم ريهام طارق 

تميز الأداء بتفاصيل دقيقة، حيث أظهر الفنان القدير حسن العدل قسوة مفرطة تجاه زوجته الأولى، التي عانت تحت وطأة إهماله العاطفي والنفسي، إلى أن أوصلها إلى حافة الانهيار.

تلك المرأة، التي فقدت بصرها نتيجة الحزن والبكاء المستمر، جسدت مأساة إنسانية صامتة في مشهد مؤلم، تحاول الزوجة الانتحار أمام عينيه، حيث ألقت بنفسها من الشرفة وهو في صحبة عروسه الجديدة، مشهد مكثف دراميا كشف عن قسوة شخصيته وانعدام إحساسه، إذ لم يطرف له جفن أمام هذا الحدث المأساوي.

اقرأ أيضاً: شادي مؤنس: الموسيقى ولدت معي منذ الطفولة.. ووالدي كان بوابتي إلى عالم الإبداع

حسن العدل يعد نموذجا للتقمص النفسي العميق:

أداء حسن العدل في هذا الدور يُعد نموذجا للتقمص النفسي العميق، حيث نقل للمشاهد إحساسا حقيقيا بـ  النفور من شخصية الأب المستبد، مما يحسب له كممثل يمتلك أدواته الفنية بحرفية عالية.

في مشهد درامي مكثف، يواجه الأب المستبد لحظة الحقيقة الموجعة عند علمه بوفاة ابنته الوحيدة، التي قضت عمرها في ظلال القهر والظلم، محرومة من أبسط حقوقها العاطفية لم تعرف هذه الفتاة، رغم وجودها تحت سقف واحد مع والدها، طعم الحنان الأبوي الذي يفترض أن يكون ملاذا دافئا لأي فتاة في مثل عمرها لقد عاشت يتيمة القلب، رغم أن ذراعي والدها كانتا قريبتين، لكنهما ظلتا دائمًا باردتين، خاليتين من أي دفء إنساني.

اقرأ أيضاً: حاتم حافظ: حنان مطاوع ممثلة “قفلت اللعبة” واحلم أن اقدمها في عمل كوميدي

حسن العدل: جسد باحترافية شخصية الأب الذي تحول إلى رمز القسوة المفرطة وصاحب عاطفة موؤدة.

تتجلى المأساة في أبشع صورها عندما تدرك أن هذا الاحتضان المفقود استمر حتى آخر لحظة في حياتها، تاركًا في قلب المشاهد إحساسا عميقا بالفاجعة الأخلاقية، وهنا، يتجاوز العمل الفني مجرد السرد الدرامي ليطرح تساؤلات حادة حول الإنسانية والرحمة فالرجل الذي يملك القدرة على حرمان ابنته من الحنان حتى الرمق الأخير، يقدم للجمهور بوصفه شخصية منزوعة الرحمة، تفتقر إلى أدنى مقومات الإنسانية، مما يدفع المشاهد، بشكل لا إرادي، إلى إصدار حكم أخلاقي صارم بحق هذا الأب، الذي تحول إلى رمز القسوة المفرطة وصاحب عاطفة موؤدة.

اقرأ أيضاً: ريهام طارق تكتب: التنوع والتكرار في الدراما التلفزيونية بين الابتكار والاستثمار 

ومع تصاعد الأحداث، جاءت اللحظة الحاسمة في المشهد الذي جمع الأب بابنته “ضي” داخل أسوار السجن، حيث انكشف الغطاء أخيرًا، ليعترف لها لأول مرة بحبه العميق وحمايته الخفية التي كانت تحيطها دون أن تدرك.

كانت تلك المواجهة أشبه بانفجار عاطفي مكبوت، حيث تفاجئت “ضي” و اكتشفت،  للمرة الأولى، بأنها تملك أبا حيا، أبا يحبها حقا تلك اللحظة التي تلمست فيها حضنه لأول مرة، وكأنها اكتسبت دفء الأبوة بعد سنوات من الغياب و الجفاء،  وكان مبرره أنه يخفي مشاعره بدافع الحماية، وأنه اختار أن يكون في الظل، مراقبا لها بصمت، ملبّيًا لرغباتها دون أن تفطن لذلك.

لحظة اعتراف الأب أن أخطأ في أسلوب تربيته لابنته الوحيدة:

لحظة الاعتراف بالخطأ في أسلوب تربيته، ذلك الضعف الإنساني الذي تجلى في عينيه، كان قمة الأداء الصادق الذي يأسر القلوب أن ترى امرأة في العقد الرابع من عمرها تحتضن والدها للمرة الأولى، هو مشهد يختزل مرارة الحرمان وعذوبة اللقاء في آن واحد.

حسن العدل أثبت أن التمثيل الحقيقي هو ذلك الذي يصل إلى القلب دون ضجيج:

الممثل القدير حسن العدل قدّم هذا المزيج المعقد من القسوة والغضب والهدوء والاستفزاز والحب والانكسار ببراعة مذهلة، دون افتعال أو مبالغة، كان كمن يسير على خيط رفيع، يزن كل انفعال بحساب دقيق، ليخرج إلينا بأداء يثبت أن التمثيل الحقيقي هو ذلك الذي يصل إلى القلب دون ضجيج، كـ ميزان حساس يلتقط أدق المشاعر و يترجمها بسلاسة آسرة.

 

 

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.