بأخلاقهم اهتدينا الجزء الثاني أمسك عليك لسانك .. بقلم ريهام طارق
كلمة واحدة قد تكون مفتاح الجنة... أو تُلقي بك في النار!
سأل الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمل يدخله الجنة و يباعده عن النار أجابه النبي الكريم بذكر أعمال عظيمة كالصلاة والصيام والحج والجهاد والذكر.
بقلم: ريهام طارق
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم له : “ألا أخبرك بملاك ذلك كله” فأجابه معاذ بلى يا رسول الله فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى لسانه وقال “كف عليك هذا”.
فاستغرب معاذ وسأل، “أو مؤاخذون نحن بما نقول يا رسول الله”، فجاءه الرد الصادم من النبي عليه الصلاة والسلام وقال :”ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم”(رواه الترمذي وصححه الألباني).
لسانك.. نعمة أم نقمة؟
ما أيسر أن ينطلق اللسان بالكلام، ولكن ما أشد أثر الكلمات على القلوب والأرواح! فكلمة “أحبك” قد تبني علاقة، وكلمة “أكرهك” قد تهدمها كلمة “سامحتك” تداوي الجراح، وكلمة “لن أسامحك” قد تزيدها نزفًا. الكلمة ليست مجرد حروف، بل هي ميزان الأخلاق الذي قد يرفع الإنسان إلى القمم أو يسقطه إلى الهاوية.
ولذلك، فقد حذَّر الله من التهاون بالكلام فقال:
﴿مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ (ق:18).
كل كلمة تخرج من أفواهنا مسجلة، ولا تُمحى إلا بالتوبة أو بالصفح من صاحب الحق.
اقرأ أيضاً: هل من يسكن في بيت من زجاج يجرؤ على رمي الناس بالحجارة
الكلمة في لحظة الغضب.. صدق أم تهور؟
يُقال: “أصدق الكلام ما قيل في لحظة غضب”، لأن الإنسان في انفعالاته يظهر معدنه الحقيقي.. ولذا قال الشاعر القروي
أَغْضِبْ صَدِيقَكَ تَسْتَطْلِعْ سَرِيرَتَهُ
للِسِرِّ نَافِذَتَانِ: السُّكْرُ وَالغَضَبُ
مَا صَرّحَ الحَوْضُ عَمّا فِي قَرَارَتِهِ
مِنْ رَاسِبِ الطِّينِ إِلاّ وَهْوَ مُضْطَرِبُ
أثر الكلمة في الدين والحياة..كلمة واحدة قد تهوي بك إلى الجحيم!
إن الكلمة الطيبة صدقة، ترفع صاحبها إلى أعلى الدرجات، في حين أن الكلمة الخبيثة قد تكون سببًا في هلاك الإنسان وانحداره إلى أسوأ العواقب.
فقد قال النبي ﷺ: {إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالًا، يهوي بها في جهنم، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالًا، يرفع الله بها درجات}.
الكلمات التي تُقال في لحظات الغضب غالبًا ما تخرج دون تفكير، كاشفة عن مكنونات النفس، لكنها قد تكون أيضًا سببًا في هدم العلاقات وجرح القلوب بجروح لا تلتئم ولقد ضرب الله سبحانه وتعالى لنا مثالًا بليغًا في كتابه الكريم عن أثر الكلمة، فقال:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)
(سورة إبراهيم: 24-27)
وفي توجيه نبوي آخر، يبيّن النبي ﷺ قيمة الحديث النافع وضرورة أن يكون مجلس المسلم عامرًا بذكر الله، فيقول:
{ما جلس قوم مجلسًا فتفرّقوا عن غير ذكر الله إلا تفرّقوا عن مثل جيفة حمار}.
إن للكلمة ثقلًا في الميزان، فهي قد تكون مفتاحًا للخير والبركة، أو أداة للشر والفساد، لذا وجب على كل إنسان أن يزن كلماته قبل أن ينطق بها، فهي إما أن ترفعه وإما أن تُرديه.
ميزان الشرع في ضبط اللسان:
الإسلام وضع منهجًا واضحًا لكيفية ضبط اللسان، فجعل الصمت خيرًا من الكلام غير المفيد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت}.. (رواه البخاري ومسلم}.
هذا يعني أن الإنسان مسؤول عن كلماته وعليه أن يفكر مليًا قبل أن ينطق بها هل ستصلح أم تفسد هل سترفعه أم تهوي به في ظلمات الندم هل ستُكتب له أجرًا أم تُسجل عليه وزرًا.
الكلمة الطيبة صدقة:
ما أعظم أثر الكلمة الطيبة! النبي صلى الله عليه وسلم قال: {الكلمة الطيبة صدقة}.. (رواه البخاري ومسلم).
بكلمة طيبة تستطيع أن تُسعد قلبًا مهمومًا، أو تُصلح خلافًا، أو ترفع معنويات شخص محطم. فكما أن الكلمة الجارحة تُهلك، فإن الكلمة الطيبة تُحيي.
إن اللسان سلاح ذو حدين فهو إما طريق يقود إلى الجنة أو وسيلة تجر إلى النار والإنسان الحكيم هو من يحسن ضبط كلماته فلا يطلقها دون وعي أو تفكير فلنجعل حديثنا مرآة لأخلاقنا مقتدين بنبينا الكريم ولنتذكر دائمًا قول الله تعالى {وقولوا للناس حسنًا}..(البقرة: 83)