ريهام طارق تكتب: لو كان الترند رجلًا… لقتلته
لو كان الترند رجلا، لقتلته بدون تردد، ولن أشعر بالندم، فقد تجاوز هذا الكائن الخبيث حدود كونه أداة لقياس للرأي العام، وتحول إلى وحش كاسر يلتهم العقول، وكل ما هو جميل في حياتنا.
بقلم: ريهام طارق
أصبح الترند وحشا يمزق في كيان مجتمعنا بلا رحمة، ويدمر ما تبقى من المبادئ، دمر البيوت كما لو كان إعصار رقميا لا يستثني أحد في زمن لم يعد للمنطق فيه مكان، ولم تعد للخصوصية قيمة.
أصبح الترند هدفا يخلق على جثث وبقايا أشلاء العلاقات الإنسانية:
أصبح الترند اليوم هدفا يخلق على جثث وبقايا أشلاء العلاقات الإنسانية ودماء الأبرياء، بيوت تهدم، أسرٌ تتفكك، وأطفال يحرمون من الدفء الأسري، والسبب؟ خبراً عاديا أو مشهداً مثيراً، يصبح بسرعة الضوء قضية رأي عام ، تطلق على السوشيال ميديا لتُسيل دماء الخصوصية على مذبح الفضول.
أين ذهب الحياء؟ أين ذهب العقل؟
أين ذهب الحياء؟ أين ذهب العقل؟ عندما تكون قاعدة اللعبة هي أن لم تتعري، لن تحصل علي مشاهده، ومن لم يفضح نفسه أو غيره، يطرد خارج اللعبة، و النتيجة مجتمعات ممزقة، وشباب فقدت هويتها، وفتيات يقفن على حافة الانهيار النفسي، كل ذلك للحصول علي الترند.
اقرأ أيضاً: قصة حب وغزل متبادلة بين محمد شاهين وأسماء جلال.. بحبك وأنا كمان
متى أصبحت الشهرة اهم من الشرف؟
متى أصبحت الشهرة اهم من الشرف؟ منذ متى بدأنا نُقايض الكرامة بعدد المشاهدات والاعجابات الزائفة؟ متى تحول العري، والإيحاء، وتفاهة المحتوى إلى أدوات النجاح وتميز، بل أصبحوا أيضا وسيلة لتكون من نجوم المجتمع.
كم من زوجة فُجعت بطلاقها لأن مقطعًا مصورًا لها انتشر بلا رحمة؟ وكم من أب انكسرت هيبته أمام عائلته لأن ابنه أراد أن يصبح ‘يوتيوبرًا مشهورًا’، فعرّى نفسه أمام الملايين، وكم من شاب أضاع مستقبله وهو يقلد تحديًا فارغًا، فقط ليُثبت للعالم أنه موجود؟ وكم من فتاة أنهت حياتها بعدما تحولت إلى صورة مشوهة في إعلان مدفوع الثمن؟
لقد أصبح الترند سفاح العصر لكنه لا يحمل سكينا، بل يقتل بكبسة زر، ويمسح دماء ضحاياه بمنديل من الإعجاب والتعليقات، ثم يبتسم ساخرا لينتقل إلى الضحية التالية، و كأن شيئًا لم يكن، هذا الوحش أغتال الوعي ، وزرع في عقول الأجيال الجديدة مفاهيم مشوهة،تظهر الأخلاق على أنها موضة قديمة، وأن النجاح لا يحتاج إلى موهبة و ثقافه بل إلى فضيحة
قد يسأل البعض: هل المشكلة في الترند نفسه؟
والإجابة ببساطة: لا المشكلة أصبحت بداخلنا، نحن من صنعناه، و قدسناه و ركعنا له.
في الآونة الأخيرة، شهدنا قصصًا مؤلمة، حقيقية، وصادمة أبرزها:
إحدى أشهر صانعات المحتوى على “تيك توك”، كانت أم لثلاثة أطفال، تركت بيتها، وزوجها، وتحولت إلى “فاشنيستا” فجأة! كانت تطارد الترند ليل نهار، ترقص، تضحك، وتصور كل شيء حتى “أول يوم دورة شهرية لابنتها” دون خجل! والنتيجة؟ طلاق، وحضانة مسحوبة، وأطفال مشردين.
قصه اخري لطفل عمره 13 سنة مارس ترند، “تحدي الشنق” ومات وهو يحاول تقليد الترند، ثم قام والده بنشر صورته وكتب: “مات عشان يجرب يضحك الناس”.
وهناك عارضة الأزياء الشابة التي دخلت عالم الترند من باب “اللوك الجريء”، وكانت تظهر يوميا بشكل أكثر استفزازًا ثم تطور الأمر لإيحاءات جنسيه صريحة، ثم نشرت فيديوهات لها مسربة والنتيجة؟ أب تنكر لها على الهواء، وأم أصيبت بانهيار عصبي.
والأخير كان يوتيوبر مشهور سبّ أمه أمام الكاميرا في لحظة جنون رقمي، شتم امه لكي “يشعل الجدل” ويخطف الأنظار والفيديو حصد ملايين المشاهدات، والمتابعين ينشروه وكأنه “إنجاز كوميدي”.
هل هذا نجاح؟ أم وصمة عار ستلاحقه طيلة حياته؟
اقرأ أيضاً: عصام عمر.. يُكرم عالميًا بينما تسقط عدساتنا في فخ التفاهة وفضائح السوشيال ميديا!
هل ترى عزيزي القارئ أن الترند يستحق كل هذا العناء؟ هل ترى أن الشهرة تساوي خراب عمر؟
عندما تتحول الشهرة إلي إدمان، يجب أن نعيد صياغة المفاهيم، ونقف وقفة جادة لندرك أن الترند ليس حدث خالد.. ولكن الفضائح عمرها أطول .
يا من تسعون خلف الترند، انصتوا جيدًا:
الشهرة التي تُبنى على الفضائح، لا تصنع نجوماً، بل تخلق أشباحاً تعيش بيننا، لا تلقي احتراماً من أحد، ولا تأمن لها بشر.
الترند الحقيقي ليس أن تكون حديث الساعة، بل أن تكون قدوة في زمن انهارت فيه صوره القدوة والمثل الأعلى، وأن الإنجاز الحقيقي هو أن تحافظ على نفسك، بيتك، وعلى كرامتك، في زمن تباع فيه الكرامة بخصم 50% في عروض اللايفات.
الترند لن يربّي أبناءك تربية صالحة، لن يعيد لك احترامك و كرامتك إن سقطت بل سيبحث بعدها عن غيرك.. ليلتهمه كما التهمك.
استيقظ قبل أن تصبح ترندًا من العار لا يُمحى.. في جنازة إلكترونية عنوانها: “هنا كانت روح، باعها صاحبها مقابل عدد من مشاهدات.. استيقظ قبل أن يصبح وطننا العربي ترند جديد… عنوانه: “نهاية أمة باعت مبادئها بثمن بخس“.
لو كان الترند رجلًا، لأخذته إلى ساحة عامة:
لو كان الترند رجلًا، لأخذته إلى ساحة عامة، و قمت بتقييده و طعنته بسكين ألف مرة، لنتوقف عن تمجيد ذلك الوحش، والانحناء لتريندات تُصنع في غرف مظلمة لهدم ما تبقى من جسد المجتمع الذي انكتهه التكنولوجيا.
لقد صار الترند دينا جديدا، و “المرتدون” عنه يمحون من ذاكرة العالم و يسجنون في زوايا النسيان كأنهم لم ياتوا إلي هذا الكوكب.
لكني أقولها بيقين وإيمان شديد:
لن أؤمن يومًا بهذا الدين الزائف، سأقاتله حتى آخر قطرة حبر في قلمي.