في ذكرى ميلاده.. حسين صدقي الفنان الذي جمع بين الفن والإيمان

في ذكرى ميلاده.. حسين صدقي الفنان الذي جمع بين الفن والإيمان

 

كتبت: وفاء عبدالسلام

 

تحل اليوم ذكرى ميلاد الفنان الراحل حسين صدقي أحد أبرز نجوم السينما المصرية في عصرها الذهبي، والذي ترك بصمة مميزة في ذاكرة المشاهدين، ليس فقط بفضل ملامحه الوسيمة وموهبته اللافتة، بل لما اتسمت به أعماله من قيم أخلاقية ورسائل اجتماعية نبيلة. ورغم هذا التاريخ الفني المشرف، تعود إلى السطح كل عام وصيته المثيرة للجدل التي تدعو إلى حرق أفلامه، ما يفتح الباب أمام تساؤلات عديدة: لماذا اتخذ هذا القرار؟ ولماذا استثنى فيلماً واحداً؟

 

رحلة نجم.. من ثلاثينيات القرن الماضي إلى قمة المجد

 

بدأ حسين صدقي مسيرته الفنية في ثلاثينيات القرن العشرين، وسرعان ما أصبح من أبرز الوجوه على الشاشة الفضية. شارك في عدد كبير من الأفلام التي شكلت علامات فارقة في السينما المصرية، وجسد أدوارًا متنوعة ما بين الرومانسية والاجتماعية والدينية. إلا أن هذا النجاح لم يكن كافيًا لطمأنة قلب الفنان، فقد ظل طوال حياته يعاني من صراع داخلي تجاه بعض الأعمال التي لم يرضَ عنها بالكامل.

 


وصية تثير الجدل: هل أوصى بحرق أعماله الفنية؟

 

طوال السنوات الماضية، اختلفت الروايات بشأن وصيته. فبين من يؤكد أنه أوصى أولاده بإتلاف جميع أفلامه بعد وفاته، كنوع من التوبة والندم، ومن يرى أن الأمر أسيء فهمه، بقي الجدل مستمرًا. مصادر من داخل عائلته أشارت إلى أن صدقي لم يكن يرفض مجمل تاريخه الفني، بل انتقد بعض الأفلام التي لم تعكس قناعاته، وقد تم بالفعل إتلاف نسخ محددة منها.

وقد تدخل أحد الشيوخ المقرّبين من الأسرة حينها، ناصحًا بعدم المضي في هذا النهج، مؤكدًا أن كثيرًا من أعماله تحمل قيمًا وأفكارًا بنّاءة تستحق أن تبقى للأجيال القادمة.

 

استثناء وحيد.. فيلم خالد بن الوليد

اللافت في وصية حسين صدقي، بحسب أكثر الروايات تداولًا، أنه طلب حرق جميع أفلامه باستثناء فيلم “سيف الله خالد بن الوليد”، والذي اعتبره تجسيدًا حقيقيًا للقيم الدينية والتاريخية. هذا الفيلم بالنسبة له كان يحمل رسالة سامية تستحق البقاء، ولهذا أوصى أبناءه بـ”تقوى الله في التعامل مع تراثه الفني”، في إشارة إلى أهمية الفرز بين ما يبني الوعي وما يفسده.

 

من نجم شاشة إلى داعية اجتماعي

 

مع بداية الستينيات، فاجأ صدقي الجميع باعتزاله التمثيل نهائيًا، بعد مشورة مع الدكتور عبد الحليم محمود، الذي أصبح فيما بعد شيخ الأزهر. تفرغ بعدها لأعمال الخير، وأسّس مسجدًا في حي المعادي يحمل اسمه، وشارك في الحياة العامة كنائب في البرلمان عن الدائرة ذاتها عام 1961.

رغم اعتزاله، لم يغب عن المشهد الثقافي، إذ كتب مقالات تنتقد حال الفن، ودعا فيها إلى “انقلاب فني” يعيد للفن رسالته الأصيلة، بعيدًا عن التهريج والإسفاف، مؤمنًا بأن الفن الحقيقي وسيلة للنهوض بالمجتمع، وليس لتزييف وعيه.

 

ضمير الفن الحي

لم يكن حسين صدقي مجرد فنان، بل مفكر وإنسان يوازن بين ما يُرضي الجمهور وما يُرضي ضميره. عاش في صراع بين الشهرة والإيمان، وكان حريصًا على أن يترك أثرًا إيجابيًا بعد رحيله. طرح خلال حياته وبعد وفاته تساؤلات مهمة حول مسؤولية الفنان، والدور الأخلاقي الذي يجب أن يؤديه الفن في بناء الوعي الجمعي.

 

إرث لا يُنسى

 

في ذكرى ميلاده، يبقى حسين صدقي اسمًا خالدًا في سجل السينما المصرية، ليس فقط بسبب ما قدمه من أعمال فنية مميزة، بل لأنه مثّل ضميرًا حيًا في جسد الفن. وما بين التألق الفني والانسحاب الواعي، تجسدت حكاية فنان اختار أن يكون صادقًا مع نفسه حتى آخر لحظة في حياته.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.