حكايات ساخنة وصور قديمة لفنانين زمان .. ساحات النميمة بالسوشيال ميديا

 

 

حكايات ساخنة… في زمن أختلط فيه الفضول بالفضيحة، صرنا نرى صفحات مشهورة ولها الأف المتابعين تمتهن النبش في القبور، تتسابق في إعادة نشر صور قديمة ومقاطع منسية وأحاديث مبتورة عن فنان أو فنانة رحلوا عن الدنيا وتركوا وراءهم أثرهم وفنهم

كتبت: زينب النجار

حكايات ساخنة.. يتحدثون عنهم وكأنهم عايشوا تفاصيل حياتهم يصدرون الأحكام بلا علم ويتناقلون الأقاويل بلا وازع من ضمير، الفنان متناسين أن الكلمة قد تجرح حتى من لا يستطيع الرد.
كم بات مؤلماً أن تتحول صفحات الفن إلى ساحات للنميمة،وأن يختزل عمر فنان أو فنانة في شائعات الزواج والطلاق، فتُكتب العناوين الصفراء تزوجت أربع مرات.. وخانته تلك!”
كأن حياة الإنسان تُقاس بعدد الحكايات لا بما ترك من أثر.
ينشرون الصور لا ليكرّموا أصحابها، بل ليُعرّوهم أمام الناس، ويستحضرون سيرة الراحلين وكأنهم أحياء يحاكمونهم دون دفاع، يتناسون أن للفنان قلباً، وأن له عائلةً تقرأ وتوجعها الكلمات.

أي إعلامٍ هذا الذي يتغذى على الوجع؟
وأي إنسانية تلك التي تجد متعة في تشويه من رحل، وقد صار بين يدي ربٍ رحيمٍ يعلم سره وعلنه؟

كان الإعلام يومًا سلاح الوعي، منارةً تُضيء الطريق، ورسالةً ترفع من شأن الناس وتُعلّمهم الرحمة قبل النقد.
أما اليوم، فقد صار في بعض أركانه ساحة للثرثرة، تُباع فيها الأسرار كسلع، ويُتاجر فيها بالذكريات…

صار “التريند” أهم من الحقيقة، وعدد المشاهدات” أهم من إحترام الموتى.

الراحل الذي ترك إرثًا فنيًا أو إنسانيًا لا يُذكر بما قدّم، بل بما يُقال عنه بعد رحيله

ينبشون ماضيه، يفتشون في صوره وكلماته القديمة، وكأنهم يبحثون عن زلة تُعيدهم للواجهة.
ونسوا أن الستر بعد الموت عبادة، وأن الله نفسه وصف من يُحب إشاعة الفاحشة بأن لهم عذابًا أليما.


أذكروا محاسن موتاكم ، ولا تذكروا مساويهم”

كلمة تختصر كل معاني الأخلاق والإنسانية، لأن الحديث عن الميت ليس كالحديث عن الأحياء، فهو لا يملك الدفاع عن نفسه، ولا التبرير، ولا حتى الندم.
والإثم مضاعف، لأنك تخوض في حقّ من رفع الله عنه الحساب الدنيوي، وترك أمره إليه وحده.

لماذا لا نُحسن الذكر بدل أن نُسيء؟

بدل أن نُفتّش في زلّاتهم، لماذا لا نُذكر الناس بما قدموه من جمالٍ وفن وإنسانية؟
لماذا لا نُحدث أبناءنا عن أجتهادهم، وعن تلك الأيام التي أسعدوا فيها الملايين بموهبتهم وإبداعهم؟
فكل إنسان له وجهان مهما كان
ضعف يُخفيه، وجمال قدمه..
فكلنا نحمل في داخلنا وجوها متعددة
فينا النور كما فينا الظل، لنا عيوب تُخفى ومزايا تُظهر، فليس بيننا ملائكة،
بل بشرٌ يخطئون ويُصلحون، ويسيرون ما استطاعوا نحو الضوء.

فلماذا نُسلّط الضوء دائمًا على الضعف، ونُطفئ الجمال؟

لو أنّ الصفحات التي تخوض في الأعراض خصصت نصف وقتها لعرض قصص الكفاح، واللحظات التي بكى فيها الفنان من أجل فنه أو وطنه،
لكان الناس أحبّوهم أكثر، ودعوا لهم بدل أن يلعنوهم.
ما أجمل أن نُعيد الذاكرة لعمل راق أو موقف إنساني تركوه..

أن نذكر الناس بأيامهم الحلوة بدل أن نُلون نهايتهم بالسواد.

فرب كلمة “رحمه الله” من قلبٍ صادق، خيرٌ عند الله من ألف منشورٍ يفضح ويؤذي.

حين نُحسن الذكر، نُعلّم الأجيال معنى الوفاء، وحين نُسيء لمن رحل، نُعلّمهم القسوة والنكران.

اذكروا الجميل، فذاك من شيم الكرام،
واتركوا الخوض في العثرات، فليس بين أيدينا ميزان الحساب.
إنّ الرحمة ليست ضعفًا، بل رقيٌّ لا يبلغه إلا من امتلأ قلبه نورًا وصدقًا.
الإعلام الشريف لا يُهين الغائب، بل يُكرّم ذكراه.
ولا يهاجم الضعيف، بل يحميه.
لأن الإعلام في جوهره رسالة، لا فضيحة.
والقلم حين يخرج من ضميرٍ نظيف، يُصلح أكثر مما يُثير.

يا من تكتبون وتُعلّقون، تذكّروا أنكم يومًا ستُصبحون خبرًا أيضًا، وأن أيديًا أخرى ستبحث في صوركم وكلماتكم.
فهل تُحب أن تُذكَر بسوءٍ بعد أن تُدفن؟

رحم الله من رحلوا، وغفر لمن بقي ينسى أن الموت لا يحتاج إلى شهرة، بل إلى دعوةٍ صادقة وذكرٍ جميل.

فكفّوا عن الخوض في الأعراض،
واستروا كما أمركم الله،
فلعلّ الله يسترنا جميعًا يوم تُكشف السرائر وتُعرض النوايا

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.