أمجد زاهر يكتب :كيف تكون ممثلًا محترفًا؟ الحلقة الثانية:جسد الممثل…الآلة التى تعزف
كيف تكون ممثلًا محترفًا؟
الحلقة الثانية: جسد الممثل… الآلة التى تعزف قبل أن تنطق
بقلم – أمجد زاهر
في اللحظة التي يقف فيها الممثل أمام الكاميرا أو على خشبة المسرح، لا يكون وحده في المواجهة. فإلى جانبه يقف جسده، بكل ما يحمله من تاريخ، وعادات، وتوترات، وخوف مكبوت، أو طاقة مكبوتة.
كثيرون يملكون ملامح آسرة وصوتًا مناسبًا، لكنهم يفشلون في إيصال الإحساس، لأن الجسد—ببساطة—لم يدخل بعد في اللعبة.
تخيل معي هذا المشهد: “حسن”، شاب يمتلك ملامح معبرة للغاية، وعينين تنطقان بالحزن، يقف ليؤدي مشهداً رومانسياً بسيطاً. لكن المشاهد يشعر بعدم الراحة، ثمة شيء “نشاز”. السبب ليس في وجه حسن، بل في كتفيه المتشنجين، وأصابع يده المطبقة بقوة دون داعٍ.
هنا، لا تكذب الكاميرا، ولا يرحم المسرح. الجسد فضح صاحبه.
في الموسيقى، يحرص العازف على اقتناء أفضل آلة، ويقضي سنوات في صيانتها وضبط أوتارها.
أما الممثل، فهو العازف والآلة معًا. جسده ليس مجرد حامل للصوت أو وسيلة للتحرك، بل هو الأداة الأولى للتعبير.
وإذا كانت هذه الأداة مشدودة أكثر من اللازم، انكسرت. وإذا أُهملت، فقدت قدرتها على الرنين.
التوتر العضلي: العدو الخفي
أخطر ما يواجه الممثل ليس نسيان الحوار، ولا حتى ضعف التركيز، بل “التوتر العضلي”.
التوتر يغلق مسارات الإحساس، ويجعل الجسد يقاوم الشعور بدلًا من أن يمرّره.
الممثل المتشنج لا يبكي بصدق، ولا يضحك بخفة، ولا يغضب بحرية. كل انفعال يخرج مبتورًا، وكأن شيئًا ما يمسك به من الخلف.
الاحتراف يبدأ حين يدرك الممثل أن الاسترخاء ليس حالة كسل، بل حالة سيطرة.
السيطرة على الجسد تعني أن تكون قادرًا على تشغيله وإيقافه، شدّه وإرخاءه، وفق متطلبات الشخصية لا وفق توترك الشخصي.
الوضع المحايد: لحظة الصفر
في مدارس التمثيل الاحترافية، هناك مفهوم أساسي يُعرف بـ «الوضع المحايد» .
وهو الحالة التي يتجرد فيها الممثل من عاداته الجسدية اليومية: طريقة مشيه، انحناءة ظهره، حركة يديه، ميل رأسه.
يصبح الجسد صفحة بيضاء، أو كتلة طيّعة قابلة لإعادة التشكيل.
من هذه النقطة يبدأ بناء الشخصية:
ضابط صارم؟ العمود الفقري مستقيم، الحركة محسوبة، الخطوات ثابتة.
رجل مهزوم؟ الكتفين هابطتان، الرقبة منكسرة قليلًا، الحركة مترددة.
شخصية متمردة؟ الجسد مائل للأمام، مركز الثقل غير مستقر.
التمثيل هنا لا يُؤدّى بالكلام، بل بالفيزياء.
الجسد لا يُستعار… يُصان
نصيحة جوهرية لكل من يطمح للاحتراف: لجسد الممثل.
الرياضة، تمارين المرونة، اليوغا، تمارين التنفس، ليست رفاهية، بل “صيانة دورية” لأداة العمل.
الممثل الذي يهمل جسده يشبه مصورًا بكاميرا مكسورة، أو عازفًا بكمان مشدود الأوتار حتى الانفجار.
والخطأ الأكبر أن يختزل الممثل نفسه في الوجه فقط.
الكاميرا ترى الجسد كاملًا، والجمهور يشعر بالطاقة حتى لو لم يفهم السبب. الجسد المتكلم أصدق ألف مرة من رأس يردد الحوار بإتقان.
ما قبل الصوت… الجسد يتكلم أولًا
في الحلقة المقبلة من هذه السلسلة، ننتقل إلى الوتر الثاني في آلة الممثل: الصوت.
كيف يتحول من مجرد صدى للكلمات، إلى حامل حقيقي للمعنى والإحساس.
لأن الممثل المحترف لا “يقول” الدور…
بل يعزفه.

