الشيخ عبد الرحمن أفقير يكتب عن/ الأنوار والتجليات الإلهية

الأنوار والتجليات الإلهية
نحمدك اللهم يا من صلى على سيدنا محمد بفيض ذاته فكان مجلي له في جميع تجلياته فهو روح الله المنفوخ في صورة آدم وطامة الحقائق الكبرى لسائر العالم فلا يصل واصل إلا إليه ولا يهتدي حائر إلا به فيه عليه واشهد أن لا اله إلا الله ولا موجود في هذا الوجود إلا إياه واشهد أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إنسان عين ذاته وسر إمداداته انزل عليه القرآن والفرقان فكان الجامع لما تفرق من الأعيان فهو نور السموات والأرض بلامين ومحور دوائر كاف ها يا عين صلى الله عليه وسلم وعلى كل من انتمى بالاستمداد إليه ما انجلى في المشاهد لكل مشاهد وبدا في الوجود بلا تناهي وهو واحد إما بعد :إن التجليات الإلهية مظهر من مظاهر الفضل الرباني يختص الله به خواص الخواص من عباده الصالحين المقربين الذين تخلصوا من الأهواء والشواغل والحظوظ فصفت قلوبهم واستنارت بصائرهم وزالت الحجب والأستار وانكشفت الحقائق للبصائر فشاهدوا الجمال الإلهي المطلق الذي هو أصل الحسن الظاهر في الأشياء وهؤلاء الصفوة من الأتقياء حينما يشاهدون الموجودات فإنما يشاهدون ظلال الجمال الإلهي فالله هو الذي أعار هذه الموجودات جمالها فالجمال الإلهي هو أصل كل مظاهر الحسن المتبدي المرئي في سائر المخلوقات التي تراها عيوننا وتشهدها بصائرنا وتبقى هذه الحقيقة ساطعة أنوارها في قلوب العارفين المتحققين .
واليوم إذ نقف علي شاطئ بحر التجليات الزاخر بالخفايا والإشارات نتأمل ونلتقط ما تعجز عنه الألفاظ والعبارات يتبادر إلي أذهاننا وقلوبنا الحديث القدسي (ما وسعني ارضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن … إلخ) أي وسعني بالمعروفة فوسع تجلياتي وصاحب هذا القلب لا يفرح بالطاعة لأنها برزت منه وإنما يفرح بها لأنها برزت من الله إليه فهو يفرح بفضل الله وإحسانه وأهل التحقيق يشهدون دائما إحسان الله إليهم ، والعارفون بالله يقصدون بالتجليات الإلهية كل ما يفتح الله به علي العبد الرباني من فيوضات الذات الأحدية وأنوار الأسرار الإلهية فالمعروف عند السادة الصوفية أن العبد السالك إلي ربه إذا اجتهد وتخلص من رعونات النفس وأكدارها وحظوظها يصل إلي مقام الولاية وتحقق بالمعرفة اليقينية علما وذوقا وشهودا ويقولون إن كثيرا من المكاشفات تظهر لآهل المعرفة من الأولياء بينما تغلق سرائرها عن عامة الناس حيث تحجبهم عنها حجب كثيفة تتمثل في التعلق بالأغيار والأهواء والحظوظ النفسية ولذلك يقول سيدي أبو العباس المرسي لا يصل الولي إلي الله ومعه بقية من شهواته ومعني هذا أن الولي لابد أن يقطع كل العوائق التي تمنع وصوله إلي الله .
والله يتجلي بذاته وكرمه على العبد العارف الصافي الذي فرغ قلبه لله فلم يعد مشهودا له سواه ولا معروفا له إياه .. ولا يخفي علي ذوي الإفهام أن التجليات الإلهية تكون من فيض كرم الله السابغ وعطائه الدافق بمحض فضله السابق وهي اشراقات يجود بها الله علي من يشاء من عباده ولا يخفي علي ذي بصيرة أن لهذا التجلي درجات ومراتب كما أن له أهله الذين تتفاوت درجاتهم ومنازلهم ويقول أهل التحقيق من العارفين بالله : إن أول مراتب التجلي في مرتبة تجلي الله بأفعاله وهذا التجلي من الحق عبارة عن مشاهدة يري فيها الولي الكامل العارف جريان القدرة في الأشياء فيشهده أنه محركها ، ومسكنها بنفي الفعل عما سواه وإثباته لله جل ثناؤه وعظم شأنه من ومع ذلك يقول أهل التمكين من العارفين المحققين: إن الأولياء الذين في مقام تجلي الأفعال رغم حسن استعدادهم وعلو مقاماتهم فإنهم في واقع الأمر محجوبون لأن الذي يفوتهم من عطاءات الله أكثر مما ينالهم وأن تجليات الأفعال الإلهية حجاب لتجليات أعلى منها هي تجليات الحق في أسمائه وصفاته والتي لا يصل إليها الولي العارف إلا بعد الفتح عليه بالمكاشفة للحقائق الوجودية وتجليات الله علي أحبابه لا تنقطع ولا تتوقف ولا تنضب فالله هو الفتاح يفتح علي عباده أبواب العلم به والمعرفة بكماله وجلاله وجماله والعارفون بالله عندما تشرق شمس قلوبهم بأنوار اليقين والمعرفة يكونون في مقام المشاهدة وهي الإدراك المباشر عن الشهود القلبي فيعيشون مع الله في أنس دائم وسعادة غامرة وتغيب عن أنظارهم رؤية الخلق بما أشرق علي قلوبهم من أنوار المعرفة واليقين وهم يدركون تماما أنهم ما وصلوا إلا بفضل الله فهو الذي وفقهم للطاعات وأحيا قلوبهم بنور معرفته ومحبة حبيبه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قال : ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا (النساء 69) ولا يخفي علي ذوي البصائر والإفهام أن الأنوار الإلهية عندما تستقر في قلب المؤمن تجعل حياته كلها موصولة بالله وعبادته كلها خالصة لله قال (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) وعندئذ تكون حياة المؤمنين العارفين بربهم حياة نورانيه شفافة صافية من الأكدار خالية إذ تحن أرواحهم دائما إلي الملأ الأعلى وتتطلع قلوبهم إلي النور الأسمى قال إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا وهذا الود الرحماني يكون للمؤمنين في الدنيا وفي الآخرة فهم في الدنيا يتنعمون بالقرب والأنس والمناجاة وإذا انتقلوا إلي الملأ الأعلى سيجزيهم ربهم الجزاء الأوفىى والرضوان الأكبر وهنا يتوقف القلم ونقول: اللهم أسبل علينا سترك الجميل وألطف بنا في قضائك وقدرك لطفا يليق بكرمك واجعل يدك مبسوطة علينا وعلى أهلينا ومن معنا برحمتك وأوزعنا شكر نعمائك واشملنا بعفوك ورحمتك واجعلنا من المتوكلين عليك يا أرحم الراحمين يا رب العالمين وصل اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما
أخوكم في الله مولاي عبد الرحمن أفقير

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.