أسس الثقافة العلمية والإبتكارية “الإبداعية”..بقلم إيمان سامي

ليس العلم مجرد اكتساب معلومات علمية أو حيازة رصيد من التراث الثقافي أو امتلاك التكنولوجيا، ولكن العلم الذي يمثل الآن روح العصر هو بالأساس منهج يستهدف فهم ودراسة الواقع اعتمادا علي العقل الناقد ( التفكير الناقد) بهدف التدخل التجريبي لتغيير الواقع بما يلائم رفاهية وسعادة الإنسان، والعلم هنا أبنية معرفية نسقية، وظاهرة اجتماعية وثقافية، إنه ليس مجموعة معارف متفرقة، بل منهجا موظفا في خدمة المجتمع وتقدمه، وسلاحا لمواجهة التحديات التي تواجه مستقبل الإنسان، ولهذا فإن العلم مؤسسة اجتماعيه وحضارية، أي أنه ركيزة ضرورية وحاسمة في البناء الحضاري.
إن روح العصر هي المعرفة العلمية النسقية وهي نمط خاص من علاقة الوجود الإنساني بالطبيعة والنفس والمجتمع أيضاً، ولكنه نمط يقوم على اكتشاف القوانين والقواعد التي تتحكم في الإنسان والطبيعة والمجتمع مما يمكن الإنسان من فهم وتفسير الظواهر المختلفة، ويؤهله للتحكم فيها والتنبؤ بسيرها ومصيرها حيث أن ثقافة العلم هي ثقافة مناضلة ونهضة إلى المعرفة وارتياد مغامرة المعرفة، بل التفكير العلمي يقوم على الإبداع ويستند إلى قوته الذاتية وإنجازاته الخاصة، ولذلك فهو نقيض ثقافة الحقيقة المطلقة التي تدعي امتلاك الحقيقة والتي تقتل الفضول المعرفي وتعتمد على نوع من التفكير الاختزالي الذي يرد الظواهر الطبيعية إلى علل غيبية، وبالتالي تستحيل ظواهر الطبيعة أن تمثل صورة من صور الإعجاز، مما يجعل من المستحيل على المرء والمجتمع التحكم في شؤون حياته.. حيث إن ثقافة العلم تمثل ثقافة ثورية . لأنها ثقافة تغيير، تغيير العالم عن وعي وإرادة، ومن خلال الجهد الإنساني المنظم الذي يؤكد حرية الإنسان أمام حتمية الطبيعة، لذلك فالعلم معرفة تراكمية وهو أشبه بالبناء الذي يشيد طابقاً فوق طابق، مع فارق أساسي هو أن سكان البناء العلمي ينتقلون دوماً إلى الطابق الأعلى، أي أنهم كلما شيدوا طابقاً جديداً انتقلوا إليه وتركوا الطابق القديم فهناك ثمه تجاوز لايمكن إنكاره في مجال تطور المعرفة الإنسانية.
وهكذا فإن المعرفة العلمية تمضي بطريقة تصاعدية مخلفة وراءها تراثاً تراكميا يبني فيه اللاحق على السابق ولا يبدأ من نقطة الصفر، بل إن ثقافة العلم تدعونا لأن نخوض مغامرة البحث عن الحقيقة واكتشاف المجهول وحرية السؤال بلا حدود والبحث الحر وتقبل الاختلاف والاعتراف بأن التنوع الفكري والثقافي هو أساس الازدهار الحضاري، بل وهو المقدمة الضرورية لأي مجتمع ديموقراطي يؤمن بقيمة وأهمية وكرامة الإنسان.
قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.