قسوه الآباء تصنع للعالم نفوس سويه أو وحوش مشوهه

بقلم: ريهام طارق 

تقف الشهرة.. المال.. النفوذ.. والأضواء والسلطة عاجزه على مداواة الجروح الغائرة التي نقشت على جدار القلوب في طفولتها، و لا تستطيع محو الذكريات المؤلمة التي تظل عالقه في الذاكرة، مهما حاول الإنسان نسيانها او تجاهلها.

الطفولة هي التربة الأولى التي تغرس فيها ملامح شخصيتنا حيث تتشكل فيها العيوب قبل المميزات و يبقى أثره ممتداً في النفس حتى ينتهي الأجل.

كم من نجم عالمي، رغم بريق الأضواء وسطوة الكاميرات، اعترف أن وسادته تثقلها ذكريات الطفولة القاسية تزوره كل ليليه في أحلامه وتتحول لكابوس لا يفارقه وكم من صاحب سلطة ونفوذ، يملك مفاتيح القرار ويتبعه الملايين، يقف عاجزا أمام صورة ذهنية لموقف مؤلم عاشه صغيرا، ظل محفورا في ذاكرته مهما علت مكانته، وكم من رجل ألقت جراحه النفسية بأثارها السلبية على زوجته وأولاده، وجعلهم يدفعون ثمن ألم لم يكونوا سببا فيه.

قد تربى طفلاً على أذى جسدي ونفسي وتغرس في قلبه بذور الخوف، فينشأ الطفل مقيدا بسلاسل انعدام الثقة بالنفس، لا يرى في ذاته إلا كل نقص وضعف وفشل، مؤمن أنه يعجز عن التفكير أو اتخاذ القرار الصحيح، وقد يحرم الطفل من الحنان والاحتواء، ومن الحضن الدافئ والكلمة الطيبة، وتظن الأسرة أنها بذلك تصنع رجلا قويا، فإذا به رجلاً لا يقدر ذاته متمسك بشخصيات مؤذيه، ويغرق نفسه داخل علاقات سامة تستنزف طاقته، لخوفه فقط من فكره الوحده، حتي وإن كان الثمن محو كرامته.

إن أعنف ما يواجهه الطفل في سنواته الأولى ليس الفقر ولا قسوة الحياة، بل قسوة الأبوين عليه باسم “التربية”، ولعل التاريخ والفن والسياسة يقدمون شواهد حية على أن المال والشهرة والنفوذ لم تستطع علاج ندوب وجراح الطفوله الغائرة، وهناك امثله عده علي ذلك منها:

مايكل جاكسون
مايكل جاكسون

مايكل جاكسون، ملك البوب الذي أذهل العالم بصوته وفنه، ظل حتى آخر لحظة من حياته يهرب من قسوة أب لم يعرف سوى لغة الضرب والإهانة إذ كان يعنّفه بوحشية مستخدما الأسلاك المعدنية، أو يطرحه أرضا بعنف حتى ارتسمت في ذاكرته ملامح الرعب أكثر من ملامح الحنان.

إمينيم،مغني الراب العالمي حمل غضب طفولته إلى أغانيه، بعد أن عاش سنوات طويلة من التنمر و الإهمال داخل أسرته.

ديمي لوفاتو
ديمي لوفاتو

ديمي لوفاتو لم تتردد في الاعتراف بأن افتقادها للحب في صغرها قادها إلى متاهات الألم النفسي والإدمان، قبل أن تحاول انتشال نفسها بقوة الاعتراف والعلاج.

هتلر
هتلر

وفي عالم السياسة، لم يكن الحال مختلف، هناك هتلر، الذي أشعل الحروب ودمر الملايين، لم يكن سوى صدى لطفل صغير تلقى أقسى الضربات من أبيه حتى انطفأ داخله نور الرحمة.

ونستون تشرشل
ونستون تشرشل

ونستون تشرشل، بطل بريطانيا في الحرب العالمية الثانية، كتب في مذكراته عن طفولة باردة بلا حنان، تركته أسير عزلة عاطفية رغم أضواء المجد السياسي.

اما أوبرا وينفري، الوجه الإعلامي والسياسي المؤثر، فقد وقفت بشجاعة أمام العالم لتعلن أن وراء نجاحها دموع طفلة عانت الفقر والعنف والاعتداء الجنسي، لكنها اختارت أن تحول جرحها إلى قوة ملهمة غيرت بها مسار حياتها وأثرت في حياة الملايين.

أحيانا يظن الآباء أن قسوتهم تنسى مع مرور الزمن، لكن الحقيقة أن الطفل يكبر ولا ينسى.. يكبر وهو يحمل داخله خليط من الغضب و الخذلان، فتارة يواجه والديه بجفاء وبرود، وكأنه يرد الدين العاطفي الذي لم يحصل عليه، وتارة أخرى يختار الصمت والبعد، فيتحول إلى غريب بينهم مهما حاولوا التقرب منه أو التودد إليه، والبعض الآخر يدفنون مشاعرهم في أعماقهم حتى ينفجروا في هيئة نفس محطمة أو علاقات مشوهة، الأسوأ أن هناك من يعيدون ما تعرضوا له، ويصبحون نسخة من آبائهم في القسوة، ليمتد الجرح من جيل إلى جيل.

من أسمى وصايا النبي ﷺ في حب الأبناء ورعايتهم ما ورد عنه في الحديث الشريف: {ليس منَّا من لم يرحم صغيرَنا ويعرف شرفَ كبيرِنا}.

فقد أوصى رسول الله ﷺ بالرحمة واللين مع الصغار، مؤكِّدًا أن معيار اكتمال الإيمان وحُسن الخلق هو في مقدار الرحمة التي يفيض بها قلب الإنسان على أبنائه. وكان النبي قدوة في ذلك، فكان إذا أقبل الحسن والحسين رضي الله عنهما، قبَّلهما واحتضنهما، وقال: {من لا يَرحم لا يُرحم}، ليغرس في نفوس المسلمين قاعدة راسخة أن الحب والحنان للأبناء عبادة، وأن التربية الصحيحة تبدأ من القلب المليء بالعطف والرحمة.

ومن أروع المواقف النبوية أيضاً التي تجسد العطف والرحمة ما رواه البخاري ومسلم، أن النبي ﷺ كان يخطب في الناس، فجاء الحسن والحسين رضي الله عنهما يتعثران في ثيابهما، فنزل النبي ﷺ من على المنبر، وحملهم بين يديه، ثم قال: [صدق الله إذ يقول: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}، رأيت هذين فلم أصبر].

لقد قدّم النبي ﷺ بهذا الموقف درسا خالد للأمة أن الرحمه واظهار الحب للأبناء لا تنقص من هيبة الأب بل تزيده رفعة ومحبة في قلوب أطفاله، وتغرس فيهم الشعور بالأمان والطمأنينة، وهو الأساس التربية الصحيحة.

في النهاية اذا اردتم أبناء صالحين كونوا قدوة صالحه لـ أولادكم الأبناء لا يتأثرون بما يسمعون بقدر ما يتأثرون بما يرون، فهم مرآة تعكس سلوك والديهم، و التربية المثالية هي فن الموازنة بين الحزم والرحمة..وتذكروا دوما أن أطفال اليوم هم صناع الغد وقادة المستقبل.

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.