الحب في زمن كورونا بقلم مصطفى حسن سليم

قد ينتصر الحب عندما ترجح كفة الموت، وقد يكون مجرد التفكير في الهروب إلي المجهول ، من مصير آخر مجهول، هو مجرد وسيلة للتفكير مرة أخري للعودة للتمسك بروابط الحب، التي هي أقوي رباط في الحياة….
صدقيني ياماريتا الوضع هنا خطير، وأنا لاأستطيع تحمل مدة ذلك العزل الطبي أكثر من ذلك، إيطاليا أصبحت بؤرة كبيرة في انتشار الوباء، تأملت ماريتا ملامح صدقي والدموع تنهمر من عينيها وهي تجفف دموعها بمنديل ورقي، وهي تقول له ولكني لن أترك وطني لكي أسبح في مغامرة مجهولة في قلب مياه البحر، ربما يكون مصيرها الموت، وإذا كان الموت هو النتيجة الحتمية لتلك المغامرة، فإن الموت هنا، في وطني أفضل شيء لي، أنهار صدقي علي المقعد الذي بجواره وهو يدفن رأسه بين يديه وهو يغمغم في خفوت لم أتصور أبدًا بعد وصولي إلي هنا منذ عدة سنوات، ومقاومتي أمواج الموت في أثناء الهجرة غير الشرعية التي قمت بها، وقسوة الغربة التي رأيتها هنا، حتي قمت بعمل مشروعي وهو محل لتجارة الخضروات، والذي كان سبب في التعرف عليكي وزواجنا، وأصبحت بعدها مواطن يحمل الجنسية الإيطالية، أنني سأعود إلي وطني مرة أخري وبنفس الطريقة التي حضرت بها إلي هنا، وقفت ماريتا وتقدمت نحوه وهي تربت علي كتفه في حنان قائلة صدقني ياحبيبي مصر مثل إيطاليا الآن، لقد أنتقل الفيروس في جميع أنحاء العالم، وأصبح الخطر يسبح في كل مكان في العالم، ثم أن العصابات التي ستقوم بتهربيك ربما تكون عليك أخطر من كورونا نفسه، رفع صدقي رأسه وهو ينظر إليها بنظرات مستجدية قائلا ربما تكوني علي حق، ولكني أتخذت القرار بالفعل ولن أتراجع فيه، وإذا كنتي ترفضين الرحيل معي، سرف أترك لك حرية الأختيار، ومبالغ مادية تساعدك علي المعيشة هنا، ومع أول ضوء للنهار ستنتهي علاقتي بهذا البلد، وسيساعدنا في الهروب إذا وافقتي علي الرحيل معي رجال من الشرطة، أنها مافيا كبيرة تقوم بذلك أنا لايساورني القلق في ذلك، وإذا قدر لنا اللقاء مرة أخري، أرجو أن تتفهمي رغبتي في قراري هذا….
حمل صدقي حقيبة صغيرة علي كتفه، وهو يقف أمام منزله ينظر إلي زوجته، وقد سالت من عينيه دمعة سريعة، عندما توقفت سيارة الشرطة أمامه، وإشار له الشرطي الذي بداخلها في ركوب السيارة، وبمجرد أن أغلق باب السيارة، أنطلقت السيارة بقوة تقطع شوارع إيطاليا حتي توقفت به علي مشارف مرفأ صغير، وأشار له الرجل بالنزول وهو يحدثه بالإيطالية قائلا له ستنتظر في هذا الكوخ الخشبي حتي المساء مع مجموعة من الأشخاص حتي يكتمل عددكم، وسيحضر إليكم من سيقوم بنقلكم بواسطة زورق صغير علي دفعات إلي المركب، التي ستنقلكم إلي وجهتكم الجديدة، وأخرج صدقي ظرف صغير من جيب معطفه وهو يناولها له، وعندما أخذ منه الظرف وتأكد من المبلغ الذي بداخله تركه وأنصرف، وتقدم صدقي نحو الكوخ الخشبي الذي أندفع منه ثلاثة رجال نحوه وهم شاهرين أسلحتهم في وجهه، وتعرف صدقي علي أحدهم والذي أتفق معه علي تهربيه من قبل ، والذي كانت تحمل ملامحه بعض الغلظة، وهو يقول له في حدة مرحبا بك ياسيد صدقي، ستمكث معنا حتي مساء اليوم عندما يكتمل العدد، وإشار له علي الكوخ وهو يسبقه بخطوات ثابتة نحوه، وعندما دلف صدقي إلي الداخل شعر ببرودة تسري بداخله، وفكر في سرعة في التراجع عن فكرة الهروب، ولكن توارد في خاطره بسرعة مادفعه إلي ذلك، وتفشي الوضع الصحي فترك حقيبته تسقط من يديه وهو يندفع إلي أحد الغرف بداخل الكوخ، ويسقط جسده في تهالك علي الأريكة الموضوعة بجانب النافذة، ليسقط في نوم عميق هرباً من التفكير في المجهول…
أستيقظ صدقي علي يد قوية لرجل ضخم تهزه في عنف، وهو يقول له أستيقظ ياسيد صدقي أن الجميع في أنتظارك في الخارج للتحرك ، نهض صدقي في تثاقل وهو يندفع خارج الكوخ بسرعة، وشعر ببرودة الجو الشديدة وهو يحكم غلق معطغه جيداً وهو يتطلع إلي مجموعة من الرجال يقفون بالقرب من قارب أستقر علي متنه ثلاث رجال تبدو ملامحهم عربية، أندفع صدقي نحوهم وقد أستقبلوه بترحاب كبير، وتم التعارف السريع بينهم، لقد كان أثنين منهم من المغرب، والثالث من تونس، وأنطلق بهم الزورق في سرعة شديدة يشق الأمواج المتلاطمة به لمدة نصف ساعة في قلب المياه حتي توقف أمام مركب ضخم، وبدأ الرجال الثلاثة الذين كانوا معه في الصعود علي سطح المركب، وأشار له الرجل الذي يقف علي متن المركب بالصعود حتي يتحرك، وشرد ذهن صدقي سريعاً وهو يتذكر كيفية وصوله إلي شواطئ إيطاليا منذ عدة سنوات، ومكافحته للموت في قلب مياه البحر، وضياع أمواله التي أحضرها معه في قلب المركب التي غرقت بهم علي حدود إيطاليا، ورحلة صعوده في بذل المزيد من العمل الشاق، حتي أستطاع أن يقف علي قدميه مرة أخري، ومقابلته لزوجته، وقصة حبه لها، كل ذلك مر بخاطره في لحظات سريعة، وشعر بعدها بغصة في حلقه، عندما جال بخاطره كل ذلك، وازدرد لعابه بصعوبة وهو يقول للرجل الذي أمامه علي الزورق لن أكمل الرحلة معهم ، أرجوك أن تعود بي إلي الشاطئ الآن، وسأدفع لك تكلفة الرحلة كلها، نظر إليه الرجل في دهشة لعدة لحظات وهو يشير للرجل فوق المركب أن ينطلق، وهو يبتعد عنه في سرعة متجهاً نحو الشاطئ…
شعرت ماريتا بالسعادة الغامرة وهي تستقبل صدقي الذي نظر إليها في خجل، وهو يقول لها أرجوكي أن تسامحيني علي تركك هنا، ومحاولة الهروب، لم يكن من المفروض أن أفعل ذلك، قالت له ماريتا في سعادة أرجو أن لايكون ذلك الأمر حاجز بيني، وبينك، بعد الآن لقد نسيت كل شيء بمجرد رؤيتك بخير مرة أخري، أنا أتفهم جيداً أن الإنسان في لحظة ضعفه يفكر بدون منطق، أمسك صدقي بيديها وهو يقول لها صدقيني ياماريتا لم يكن الأمر لحظة ضعف، ولم يكون الأمر مجرد محاولة للهروب من الموت، لقد واجهت الموت من قبل في رحلة وصولي إلي هنا عدة مرات ،ولكن هذا الأمر غريب علي كل عقل، ومنطق، وعندما يتجاوز الأمر المنطق، يتوقف العقل عن التفكير، ويتخذ قرارات لاتتصف بالعقلانية، أعتقد أن ماجعلني أفكر في عدم أستكمال رحلة عودتي إلي وطني هي أنت، نظرت إليه ماريتا في دهشة وهي تقول له كيف حدث ذلك ؟! أبتسم صدقي في شحوب وهو يقول لها أعتقد أن حبي لك أقوي من أي شيء، أن أرتباطنا شيء مقدس، أقوي من تفرقنا مجرد عاصفة هوجاء، ستنتهي في يوماً ما، ربما قريباً، وعند أنتهائها كنت سأكون أنا الخاسر، عندما أجد نفسي قد فرطت في رباط الحب الذي يجمعنا، وأنني قد تخليت عنك في لحظة ضعف بدون تفكير.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.