السفر عبر الأجيال

السفر عبر الأجيال

بقلم: هبه كمال

 

وقفت لبرهةٍ أتأمل تلك الفجوة الزمنية في التعامل عبر الأجيال، والتي لا نجدها فقط بين الآباء والأبناء بل ربما نجدها في العلاقه بين الرجل والمرأة فهما يتواعدان بالزواج من جيلين مختلفين، أو صداقة تجمع بين شخصين من زمانٍ مختلف.

فنندهش لنجاح البعض ونتعجب لفشل الآخر،
فالسفر عبر الأجيال شيئا مرهقًا وليس بمهمةٍ سهله، فيمارسها البعض ببراعةٍ عاليه ومهارةِ فنان يرسم لوحة ثم يقف عاجزًا جامد الفِكر مُثلج الثقافة لا يستطيع السفر عبر كل هذه الحقب الزمنية في تلك العلاقات أو النجاح مع الطرف الآخر القادم من حِقبة أخرىٰ.

فنرىٰ علاقه بعض الآباء بأبنائهم تقوم علىٰ الإحتواء والبراعة في قراءة أفكارهم وخلق صداقة حميمة بين عقولهم، والبعض الآخر لا يجيدون السفر لأنهم لا يستطيعون التجول عبر أفكارهم ومعرفة ماهية ثقافتهم وماذا يشاهدون وإلى ماذا يتطلعون.

فكم من الأبناء في الآونة الأخيرة أقدموا علىٰ الإنتحار ووصلوا لفكرة الإلحاد لماذا؟ لأنهم لم يجدوا من آبائهم إجادة السفر عبر أفكارهم والبراعة في الإنصات لعقولهم، وكم من زيجه فشلت لأن الفجوة الزمنيه لا يحتويها أحد من الزوجين ولا ينصت أحدهما لأفكار الآخر.

وتأسرني تلك العلاقه المقدسه والتي تجمع بين المدرس وتلميذه، فتارة تجد أستاذ يصل لعقل وقلب تلاميذه ببراعة ومهارة، بينما يخفق الآخر.

فأرخت السينما الهنديه ببراعةٍ تلك العلاقه بين المدرس وتلميذه من خلال فيلم ( taare zameen par) الذي أبدع فيه المدرس عندما أنصت لفكر تلميذه واحترامه واحتواءه فعالج لديه مشكله تعثر القراءة أو ( الديسلكسيا) في حين فشل الوالدين في ذلك.

نعم فالنجاح في العلاقات عبر الأجيال أو الأزمان أو الأفكار من الأمور التي تتسم بالصعوبة والتعقيد ولكن هناك من يُبرع في ذلك سواء كان معلم، والد، ابن، صديق، زوج أو مدير.
فدعونا نرفع لهم القبعة لربما لديهم ملكة الذكاء الإجتماعي الذي يتبلور في “ذهن مُتفتح وحُسن الاستماع وتوفير وقت للتواصل وإحترام فِكر الآخر والأهم من هذا وذاك أن يكون بينهم حب غير مشروط.

وكان للأدب العربي والغربي نصيب من هذه المعالجة:-
فالسفر عبر الأجيال جاء في كثير من الروايات في الأدب الروسي للكاتب “تولستوى” في روايه (الحرب والسلم) وعالجها أيضًا “شكسبير” في المسرحيه الشهيرة (الملك لير).
وبُحثت أيضًا فكرة السفر عبر الأجيال من جانب الأديب العربي “نجيب محفوظ” في روايته العبقريه (الثلاثية “بين القصرين، قصر الشوق، السكرية”).

حقًا فالسفر عبر الأجيال ليس بالزمن فقط ولكن الأرجح أن يكون بالأفكار والمعتقدات والثقافات، فهي المُلتقىٰ الحقيقي في نجاح العلاقات بينهم.

وختامًا…
دعونا نسافر عبر عقول أحبابنا لنجول بين أفكارهم لننقذ علاقات كثيرة باءت أن تفشل ونتمتع بعلاقات قادمه تُكلل بالنجاح.

عزيزي القاريء إن السفر عبر العقول والأزمان والأفكار له متعه لا يعملها إلا من مارسها ونجح بها، فهو يتمتع بسفر هادىء ومستقر بعيدًا عن الصخب والتوتر في العلاقات والتي يُحلق علىٰ أجوائها طائر الوئام.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

تعليق 1
  1. شيرى يقول

    مقال رائع يرصد الواقع والفجوة بين الأجيال عدم التواصل بينهم واسلوب كتابة رشيق يكشف عن ثقافة كاتبه