الطفل والهوية الثقافية.. كيف نحافظ على انتمائه في عصر العولمة؟

كتب: هاني سليم

في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتداخل فيه الثقافات بفضل التكنولوجيا والانفتاح الإعلامي، أصبح الطفل العربي يعيش وسط عالم متشعّب، يختلط فيه المحلي بالعالمي، والأصيل بالوافد، حتى بات الحفاظ على الهوية الثقافية مهمة صعبة تحتاج إلى وعي وتضافر جهود الأسرة والمجتمع والمدرسة.

المزيد: “خرافات طبية بين الحقيقة والوهم”

ما معنى الهوية الثقافية للطفل؟

الهوية الثقافية هي مجموعة القيم والعادات واللغة والتاريخ التي تمنح الفرد شعورًا بالانتماء والتميّز. بالنسبة للطفل، تمثل هذه الهوية الجذور الأولى التي تبني شخصيته وتحدد سلوكه ونظرته للعالم. فإذا ترسخت داخله منذ الصغر، أصبح قادرًا على التفاعل مع العالم من موقع القوة، لا من موقع التبعية.


العولمة وتأثيرها على وعي الطفل

لا شك أن للعولمة إيجابيات عديدة، فهي تفتح أمام الأطفال أبواب المعرفة وتتيح لهم الاطلاع على ثقافات مختلفة. لكن الوجه الآخر لها يتمثل في تهديد الهوية الثقافية، حيث ينجذب الصغار بسرعة إلى كل ما هو لامع وجديد، سواء في شكل أزياء أو موسيقى أو حتى أساليب التفكير.
وتزداد خطورة الأمر مع الاعتماد المفرط على الهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية، التي تروّج غالبًا لثقافة استهلاكية بعيدة عن قيم المجتمع وأصالته.

دور الأسرة في الحفاظ على الانتماء

الأسرة هي الحصن الأول للطفل. ومن مسؤوليتها أن تغرس في داخله منذ سنواته الأولى حب اللغة العربية، والاعتزاز بالعادات الأصيلة، وتعليمه القيم الأخلاقية والاجتماعية. فالقصص التي ترويها الأم، والأمثال الشعبية التي يسمعها الطفل من والده، وحتى الأغاني التراثية، كلها عناصر صغيرة لكنها ذات أثر بالغ في تشكيل الهوية.


المدرسة والهوية

لا تقتصر مهمة المدرسة على التعليم الأكاديمي، بل تمتد إلى التربية الثقافية والوطنية. حين يتعلم الطفل تاريخ بلده ورموزه الوطنية، ويتعرف إلى إنجازات أجداده، فإنه يكتسب ثقة بنفسه واعتزازًا بانتمائه. كذلك يمكن للأنشطة المدرسية، مثل المسرح والفنون والمسابقات الثقافية، أن تكون وسيلة لإحياء الهوية لدى الصغار.

الإعلام واللغة

الإعلام الموجّه للأطفال يلعب دورًا خطيرًا. فبينما تُنتج بعض الدول محتوىً ضخمًا يعبّر عن ثقافتها، لا يزال المحتوى العربي المخصص للأطفال ضعيفًا. وهذا يترك فراغًا يُملأ غالبًا ببرامج وأفلام أجنبية تحمل قيماً بعيدة عن بيئتنا.
الحفاظ على اللغة العربية الفصيحة أيضًا مسألة أساسية، إذ إن اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل وعاء الهوية وذاكرة الأمة.

التوازن بين الانفتاح والحفاظ على الذات

لا يمكن أن نغلق الأبواب في وجه العولمة أو نمنع الأطفال من الاطلاع على العالم الخارجي، فذلك مستحيل وغير منطقي. المطلوب هو التوازن: أن نمنح الطفل الفرصة للتعرف على ثقافات مختلفة، لكن مع تزويده بالوعي النقدي الذي يجعله يميّز بين ما يتوافق مع قيمه وما يتعارض معها.


مسؤولية المجتمع والدولة

المسؤولية لا تقع على الأسرة وحدها، بل على المجتمع ومؤسساته الثقافية والتربوية والإعلامية. فالمكتبات العامة، والمهرجانات الفنية، والمراكز الشبابية، جميعها يمكن أن تساهم في تعزيز الهوية. كما أن تشجيع الإنتاج الثقافي الموجّه للأطفال باللغة العربية يمثل أداة فعّالة لمواجهة طغيان الثقافة الأجنبية.
الطفل العربي اليوم يقف عند مفترق طرق: إما أن يفقد هويته وسط طوفان العولمة، أو أن يحافظ عليها ليكون قادرًا على التفاعل مع العالم بوعي وثقة. والحل يكمن في شراكة حقيقية بين الأسرة والمدرسة والإعلام والمجتمع، لبناء جيل يجمع بين الانفتاح والاعتزاز بالذات. فالهوية ليست قيودًا تحد من حرية الطفل، بل جسر يربطه بجذوره ويمنحه القدرة على التحليق بثبات في سماء المستقبل.

المزيد: حب بلا حدود: عندما تقع النساء في غرام الذكاء الاصطناعي

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.