الناقد الفني أحمد عبد الصبور : فكما نقول كل الطرق تؤدي إلى روما ، فنحن نقول كل طرق زمن الفن الجميل تؤدي إلى أبو السعود الإبياري
حسام مجدي
صرح الناقد الفني ” أحمد عبد الصبور ” في حلقة عن ذكرى رحيل الكاتب والمؤلف الكبير ” أبو السعود الإبياري ” بـ برنامج مجالس الطرب على قناة النيل الثقافية …
بأن “ أبو السعود الإبياري ” يعد علامة ورمز من رموز السينما المصرية خاصة في فترة الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي في زمن الفن الجميل ، حيث قدم أكثر من 500 فيلم و300 أغنية ومئات المسرحيات .
فهو أكبر مؤلف له عدد من أفلام السينما المصرية حيث ألف أكثر من 500 فيلم أي ما يعادل 17 % من تاريخ السينما المصرية ، فعندما يرغب الباحثون والدارسون البحث والدراسة في تاريخ السينما المصرية في فترة الزمن الجميل … فدائماً سيتطرقون للكاتب والمؤلف الكبير “ أبو السعود الإبياري ” … فكما نقول كل الطرق تؤدي إلى روما ، فنحن نقول كل طرق زمن الفن الجميل تؤدي إلى أبو السعود الإبياري .
يحار كتاب التاريخ الفني المصري المعاصر والحديث حتى وقتنا الحالي على وضع توصيف دقيق لتلك الموهبة الفذة ، حيث كتب ” أبو السعود الإبياري ” المسرح والسينما والأغنية والمنولوج والأوبريت ، جنباً إلى جنب مع عديد من الكتابات الصحفية الفريدة ، والتي ظلت علامات بارزة برقي أسلوبها وبلاغتها وسخريتها الممزوجة بالفكاهة الطازجة .
إنه حقاً صانع البهجة المصرية الحقيقي ، والباعث على الضحك العفوي الذي لا يغالبه فيه أحد حتى الآن ، ومازال حتى يومنا الحالي يملك ناصية الكوميديا التي تجلب السعادة عبر مفردات لا تخدش الحياء ، بقدر ما تنعش الذاكرة الحية التواقة للمتعة العفوية في قلب القرن الواحد وعشرين ، وذلك على جناح فن الأبيض والأسود دونما أية مكسبات لونية أو رتوش مزخرفة ، ومن هنا يبقى ” أبو السعود الإبياري” هو الكاتب والسيناريست والمسرحي وكاتب الأغنية القادر على مخاطبة العقل الجمعي بنسق أخلاقي لا يفسد المشاهد الأكثر إضحاكاً ، بل يحيلها فلسفة طيعة تظل سارية مع مياه النيل الذي يجرى في عروق المصريين بمزيج عذب من الحكمة والجبروت على تحمل مصاعب الحياة القاسية .
ولد الكاتب والسيناريست الكبير ” أبو السعود الإبياري ” في 9 نوفمبر عام 1910م في حي باب الشعرية بالقاهرة ، وكتب الزجل وهو طفل في مجلة ” الأولاد ” وأعجب بالكاتب الكبير “ بديع خيري ” كزجال ومؤلف مسرحي وتتبع خطاه وشجعه ” بديع خيري ” ، وكان أول مونولوج يكتبه هو ” بوريه من الستات ” للمونولوجست “ سيد سليمان ” ، وحقق نجاحاً كبيراً ، كما كتب إسكتشات فكاهية لفرقة ” بديعة مصابني ” ، وكانت أول رواية له هي “ أوعى تتكلم ” عام 1933م .
أنطلق “ أبو السعود الإبياري ” قوياً متدفقاً غزير الإنتاج يستمد قوة إبداعاته من المفردات اللغوية التي يرددها الناس في الشوارع والحارات والمقاهي ، وكتب للسينما أشهر وأجمل أفلامها الكوميدية ، وأتقن تصوير الشخصيات المصرية الأصيلة ، وكتب الحوار السلس الذي أشتهر به منذ فيلم ” لو كنت غني ” للفنان ” بشارة واكيم ” عام 1942م ، ومن أشهر أفلامه الكوميدية ” الزوجة 13 ” ، ” الزوجة السابعة ” ، ” أنت حبيبي ” ، ” تعالى سلم ” ، ” نشالة هانم ” ، “ عفريتة هانم ” ، ” صغيرة على الحب ” ، “ جناب السفير ” ، ” هارب من الزواج ” ، ” شباب مجنون جداً ” ، ” طاقية الإخفاء ” ، ” سكر هانم ” ، ” المليونير ” ، ” حواء و القرد ” ، ” البحث عن فضيحة ” … علامات بارزة في السينما المصرية .
لأبو السعود الإبياري عدد كبير من الأغاني الشهيرة والذي تعدى الثلاثمائة أغنية ومنها : ( يا نجف بنور يا سيد العرسان لعبد العزيز محمود – يا وله يا وله لعبد الغني السيد – البوسطجية إشتكوا لرجاء عبده – تاكسي الغرام لعبد العزيز محمود – واحد إتنين لشادية – إستعراض العقلاء لإسماعيل يس – عاوز أروَّح لسعاد مكاوي – يا ولاد بلدنا يوم الخميس لمحمد فوزي – سلم علَّي لليلى مراد – لقيته وهويته لشادية – الحنة الحنة يا قطر الندى لشادية – يا عوازل فلفلوا لفريد الأطرش – قلبي دليلي لليلى مراد – الحب له أيام لمحمد فوزي وشادية – العدس الليلة ليلة عيده لنعيمة عاكف – يا رايحين للنبي الغالي لليلى مراد – معانا ريال لفيروز – قالوا البياض أحلى ولا السمار أحلى لسعاد مكاوي – أنا بنت حلوة ومهري غالي لشادية – فستان الزفاف والطرحة لشادية – إحنا التلاتة سكر نباتة للثلاثي شادية وإسماعيل يس وشكوكو ) .
لُقِّب ” أبو السعود الإبياري ” بعدة ألقاب منها : ” موليير الشرق ” و” أستاذ الكوميديا ” و” النهر المتدفق ” و” جوكر الأفلام ” و” منجم الذهب ” و” الجبل الضاحك ” .
“ أبو السعود الإبياري ” كان يستمد قوة إبداعاته من المفردات اللغوية التي يرددها الناس في الشوارع والحارات والمقاهي ، وكتب للسينما أشهر وأجمل أفلامها الكوميدية ، وأتقن تصوير الشخصيات المصرية الأصيلة ، وكتب الحوار السلس الذي أشتهر به .
أستمد “ أبو السعود الإبياري ” من قلب الشارع ونبض المجتمع إبداعه الفني الغني بالأفكار والموضوعات الإجتماعية بحس كوميدي فطري لا يخلو من فلسفة عميقة ، حيث كان ينتقد ما يحدث في المجتمع المصري عن طريق الفكاهة والكوميديا ، لذا كان حريصاً طول الوقت على الإحتكاك بالجماهير بكل أطيافها وأشكالها .
كان ” أبو السعود الإبياري ” يجد نفسه في الفيلم الكوميدي أكثر من الفيلم الدرامي ، وكان صاحب أول تصنيف للكوميديا ، فكان يكتب فيلم كوميدي إجتماعي ، أو إنساني ، أو بوليسي ، أو غنائي … وقد كون ” أبو السعود الإبياري ” ثنائي ناجح مع رفيق عمره الفنان ” إسماعيل ياسين ” حيث قدموا أجمل الأعمال وأشهر المنولوجات … كما ألف الأغلبية العظمى من أفلامه ، وأسس معه فرقة ” إسماعيل ياسين المسرحية ” والتي ألف من خلالها 65 مسرحية ليكونا أشهر ثنائياً فنياً في تلك الحقبة الزمنية .
ورغم أن “ أبو السعود الإبياري ” مؤلف كوميدي إلا أنه ألف عدة أفلام بعيدة عن الخط الكوميدي وتعتبر من أروع أفلام السينما المصرية مثل : فيلم اليتيمتين ، ست البيت ، ظلموني الناس ، أخلاق للبيع .
يعتبر “ أبو السعود الإبياري ” من القلائل الذين إستطاعوا أن يجمعوا بين الغزارة والجودة الفنية ، وأبرز دليل على ذلك أن الشخوص التي خلقها لا تزال حاضرة حتى اليوم بآفيهاتها الشهيرة التى لا نكف عن ترديدها حتى اليوم ، ويحسب له أيضاً أنه هو من دعم الفنانة “ لبلبة ” وأطلق عليها هذا الاسم … كما أعطى أول بطولة لعادل إمام وميرفت أمين في حياتهما الفنية من خلال فيلم “ البحث عن فضيحة ” … أنه بحق صانع البهجة والنجوم .
عمل “ أبو السعود الإبياري ” بالصحافة في الخمسينات فكان يكتب بمجلة الكواكب أسبوعياً ومجلة أهل الفن تحت عنوان “ يوميات أبو السعود الإبياري ” ، وقد وصفت كلماته بأنها تعبر حدود الزمان والمكان وتخاطب كل الأجيال … وأتسمت جميع أعماله الفنية بأنها تصل للقلب بسلام .
رحل ” أبو السعود الإبياري ” هذا المبدع تاركاً مكتبة زاخرة بالأعمال المتميزة في 17 مارس عام 1969م ، لكن أعماله الراقية ستبقى خالدة بخلود النيل العظيم .
لينك مشاهدة الحلقة على اليوتيوب :