ريهام طارق تكتب: ذكريات من صفحات من التاريخ نتذكرها في اليوم العالمي للإذاعة

الإذاعة المصرية.. تسعون عامًا من التنوير وصوت لا يغيب عن ذاكرة الوطن

في الثالث عشر من فبراير يحتفل العالم باليوم العالمي للإذاعة، وهو مناسبة أقرتها منظمة اليونسكو لتسليط الضوء على الدور المحوري الذي تؤديه الإذاعة في نقل المعرفة وتعزيز الحوار بين الثقافات والشعوب. 

كتبت: ريهام طارق 

اختيار هذا التاريخ جاء تزامنا مع انطلاق أول بث إذاعي للأمم المتحدة عام 1946، ليصبح رمزا للاحتفاء بإحدى أقدم وأهم وسائل الإعلام الجماهيري.  

كما يمثل هذا اليوم ايضا فرصة لإعادة تسليط الضوء على الإذاعة المصرية كوسيلة إعلامية عريقة لها إسهامات بارزة في نقل التراث الثقافي وتعزيز الوعي المجتمعي وبناء جسور التواصل بين الفئات المختلفة.

وبينما يتغير المشهد الإعلامي باستمرار، تظل الإذاعة المصرية نموذجا حيا لإعلام مسؤول قادر على التطور والتأثير، محافظا على رسالته رغم التحولات، و جزءًا أصيلا من الهوية الثقافية والإعلامية للبلاد، حيث تعود بداياتها إلى عشرينيات القرن الماضي عبر إذاعات أهلية غير رسمية، قبل أن يتم تأسيس الإذاعة المصرية الرسمية في 31 مايو 1934، منذ لحظة انطلاقها بصوت المذيع أحمد سالم معلنا “هنا القاهرة“، حملت على عاتقها مسؤولية التثقيف والتنوير ونقل الأحداث، لتصبح شاهدا على أبرز المحطات التاريخية في حياة المصريين.  

اقرأ أيضاً: دنيا سمير غانم الثنائي المرح والمنافسة الأخوية مع إيمي سمير غانم..المارثون الرمضاني

لعبت الإذاعة المصرية، على مدار السنوات الماضية، دورا رئيسًا في تشكيل الوعي الجمعي من خلال تقديم محتوى متنوع يجمع بين الترفيه والثقافة والتعليم والتوجيه الديني، مما جعلها مصدرًا موثوق به، ووسيلة تواصل فعالة بين الدولة والمواطنين، ولم تتوقف مسيرتها عند المحتوى التقليدي، بل سعت إلى التطوير ومواكبة التحولات التكنولوجية، محافظة على هويتها وسط ثورة الإعلام الرقمي.

رواد الإذاعة المصرية.. أصوات خالدة في ذاكرة الوطن

برزت شخصيات إعلامية تركت بصمات لا تُمحى في تاريخ الإذاعة. فيما يلي استعراض لأبرز هذه القامات:

أحمد سالم
أحمد سالم

الإذاعي القدير أحمد سالم:

يعد أحمد سالم أول مذيع مصري في الإذاعة عام 1936، واشتهر بجملته الافتتاحية “هنا القاهرة“، لم يقتصر دوره على التقديم الإذاعي، بل امتد إلى مجالات الكتابة والتمثيل والإخراج السينمائي. درس الطيران في إنجلترا وعاد إلى مصر عام 1931، ليصبح من أبرز رواد الإعلام المصري.

فؤاد المهندس
فؤاد المهندس

“كلمتين وبس” صوت النقد الساخر في الإذاعة المصرية 

برنامج “كلمتين وبس” الذي قدمه الفنان العظيم فؤاد المهندس منذ عام 1968 ليس مجرد عمل إذاعي بل علامة فارقة في تاريخ الإعلام المصري بأسلوبه الساخر البسيط والغني بالمضمون تناول البرنامج القضايا الاجتماعية وسلط الضوء على السلبيات المتفشية في المجتمع المصري خاصة الروتين الحكومي والبيروقراطية وبمرور الوقت أصبح صوته المعتاد في الثامنة إلا خمس دقائق صباحًا جزءًا من طقوس المصريين اليومية يرافقهم في بداية يومهم بابتسامة عفوية ونقد لاذع يحمل بين كلمتين رسالة عميقة

صفيه المهندس
صفيه المهندس

أم الاذاعيين صفية المهندس:

لقبت بـ”أم الإذاعيين”، ولدت عام 1922، وهي شقيقة الفنان فؤاد المهندس، وتعد من أوائل الأصوات النسائية في الإذاعة المصرية، وقدمت برامج متنوعة تركت أثرا كبيرًا في المستمعين.

حلمي البلك
حلمي البلك

الإعلامي الراحل حلمي البلك اسم ارتبط بعالم الإذاعة والتلفزيون :

بمسيرة حافلة بالعطاء بدأ مشواره الإعلامي عام 1958 حين التحق بإذاعة صوت العرب كـ محرر ومذيع، لـ نشرات الأخبار فكان يحررها بنفسه قبل أن يطل بها على المستمعين لم يكن مجرد مذيع بل رجل صناعة إعلامية حقيقية، تقلد العديد من المناصب القيادية.

بدأ كـ محرر للأخبار بالشؤون السياسية ثم أصبح نائبا لمدير إذاعة صوت العرب قبل أن يتولى إدارتها عام 1971 لم يقتصر طموحه على الإذاعة فحسب بل التحق بالتلفزيون المصري في العام نفسه إلى جانب عمله الإذاعي كما تم اختياره عضوا بالمجلس الشعبي لمحافظة سيناء رحلة الصعود لم تتوقف فقد عُيّن نائبا لرئيس شبكة صوت العرب عام 1985 ثم رئيسا لها عام 1987 وصولا إلى منصب نائب رئيس قطاع الإذاعة عام 1991 وبعدها بعامين أصبح رئيسا للإذاعة المصرية حتى عام 1995 لم يكن مجرد إداري بل كان صاحب رؤية إعلامية فريدة جعلته أيضا مستشارا بمجلس الشعب في العام نفسه كما عمل مراسلا إذاعيا لدى مختلف الدول العربية ليساهم في توثيق الروابط الإعلامية بين مصر والعالم العربي وعلى مدار مسيرته قدم العديد من البرامج التي تركت بصمة لا تنسى في تاريخ الإذاعة مثل شعب لن يموت الشعب في سيناء بادية العرب حوار مع مستمع آل البيت قالوا عن محمد صلى الله عليه وسلم ومعالم عربية برامج لم تكن مجرد محتوى إذاعي بل رسائل وطنية وثقافية وإنسانية خالدة.

آمال فهمي
آمال فهمي

الاذاعيه القديرة آمال فهمي:

ولدت عام 1926، وحصلت على ليسانس الآداب من قسم اللغة العربية بجامعة القاهرة. انضمت إلى الإذاعة عام 1951، وأدخلت الفوازير لأول مرة إلى الإذاعة العربية. قدمت برنامجها الشهير “على الناصية”، الذي حظي بشعبية كبيرة بين المستمعين.

فضيلة توفيق “أبلة فضيلة”

اشتهرت بتقديم برامج الأطفال، وعلى رأسها برنامج “غنوة و حدوتة“، الذي شكل جزءًا لا يمحى من ذاكرة أجيال من المصريين.

تخرجت من كلية الحقوق، ولكن بالرغم من دراستها للقانون إلا أن شغفها بالإعلام دفعها لبدء مسيرتها المهنية في مجال المحاماة قبل أن تتجه إلى الإذاعة، حيث صنعت اسمها كإحدى أبرز رموزها، مقدمة محتوى تربويًا وترفيهيًا أثرى وجدان المستمعين الصغار.

بابا شارو
بابا شارو

الإذاعي القدير محمود شعبان “بابا شارو”:

يُعد محمد محمود شعبان، الشهير بـ”بابا شارو”، أحد رواد الإذاعة المصرية وأبرز مقدمي برامج الأطفال، بفضل أسلوبه المميز ومحتواه الهادف، أسهمت برامجه في تنشئة أجيال كاملة، تاركا بصمة خالدة في وجدان الملايين، ليظل اسمه مرتبطا بذكريات الطفولة عبر العقود.

فاروق شوشه
فاروق شوشه

فاروق شوشة.. قامة أدبية وصوت الإبداع في الإذاعة المصرية:

وُلد فاروق شوشة ولد في محافظة دمياط و نشأ في بيئة ثقافية غنية حيث حفظ القرآن الكريم منذ صغره وأكمل دراسته حتى تخرج في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة ثم حصل على دبلوم التربية من جامعة عين شمس.

بدأ حياته المهنية بالتدريس قبل أن ينتقل إلى الإذاعة المصرية التي التحق بها ليشق طريقه فيها حتى أصبح رئيسًا لها كما عمل أستاذًا للأدب العربي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة وأسهم في تطوير الإعلام العربي من خلال إعارته إلى إذاعة الكويت حيث تولّى مهام خبير، ترك بصمة خالدة في الإعلام الثقافي من خلال برنامجه الإذاعي الشهير “لغتنا الجميلة“، الذي انطلق عام1967 .

تولى العديد من المناصب الثقافية، حيث شغل منصب،”الأمين العام لمجمع اللغة العربية في مصر”، ورأس “لجنة النصوص بالإذاعة والتلفزيون المصري”، إلى جانب عضويته في “لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة”. كما ترأس مجلس إدارة “جمعية المؤلفين والملحنين”، واتحاد كُتّاب مصر.

ناديه صالح
ناديه صالح

الاذاعيه القديرة نادية صالح:

وُلدت عام ألف وتسعمائة وأربعين ونالت درجة البكالوريوس من كلية التجارة عام أربعة وستين ثم واصلت رحلتها العلمية لتحصل على دبلوم الإعلام من جامعة القاهرة شغفها بالصوت والكلمة قادها إلى الالتحاق بالإذاعة المصرية حيث أبدعت في تقديم برامج مميزة جعلتها واحدة من أبرز الأصوات الإذاعية التي أثرت وجدان المستمعين وتركت بصمة لا تُنسى في تاريخ الإعلام المصري.

عمو حسن
عمو حسن

حسن شمس.. “عمو حسن” الذي أسر قلوب الصغار:

حسن شمس الإذاعي القدير الذي اشتهر بلقب عمو حسن كان صوته مألوفًا في بيوت المصريين حيث قدم برنامج للصغار فقط عبر أثير الإذاعة المصرية ليصبح صديق الطفولة وأحد رموز البرامج الموجهة للأطفال ولم تقتصر مسيرته على ذلك بل امتدت لتشمل العمل في إذاعة صوت أمريكا من مكتبها في القاهرة كما ظهر بشخصيته في الفيلم الشهير ليلة القبض على بكيزة وزغلول ليترك بصمة لا تُنسى في عالم الإعلام والفن.

هذه الشخصيات وغيرها الكثير ساهمت في بناء تاريخ الإذاعة المصرية وتركت إرثا ثقافيا وإعلاميا سيظل حاضراً في ذاكرة المستمعين.

لعبت أيضا الإذاعة المصرية دورًا محوريًا وهاما في تشكيل الوعي السياسي ونقل الأحداث الكبرى في مصر والعالم العربي. لم تكن مجرد وسيلة ترفيهية، بل أصبحت أداة رئيسية في التأثير على الرأي العام، خاصة في الأوقات الحاسمة التي شهدت تغيرات سياسية كبرى.  

البيان الأول للثورة بصوت أنور السادات:

في مفترق الطرق الذي شهدته مصر ليلة الثالث والعشرين من يوليو عام 1952، كانت الإذاعة المصرية هي النافذة الأولى التي أطل منها الشعب على فجر جديد، جاء البيان الأول للثورة بصوت أنور السادات، ليعلن رسميًا عن نهاية الحكم الملكي وبداية عهد جديد بقيادة الضباط الأحرار. لم يمر وقت طويل حتى ألقى الملك فاروق خطابه الأخير في محاولة لطمأنة المصريين، إلا أن كلماته لم تكن كافية لوقف الموجة العارمة من التغيير التي كانت قد بدأت بالفعل.  

خطاب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عن قرار تأميم قناة السويس في بميدان المنشية:

بعد سنوات، وتحديدًا في عام 1956، برزت الإذاعة المصرية مرة أخرى كمنصة لنقل واحدة من أهم اللحظات في التاريخ المصري، عندما أعلن الرئيس جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس في خطابه الشهير بميدان المنشية. لم يكن هذا القرار مجرد إعلان سياسي، بل كان لحظة فاصلة استدعت ردود فعل دولية عنيفة، تمثلت في العدوان الثلاثي على مصر. خلال هذه الأزمة، بلغت الإذاعة ذروة تأثيرها، إذ لم تكتفِ بنقل الأخبار، بل لعبت دورًا رئيسيًا في تعبئة الجماهير وبث روح المقاومة في نفوس المصريين.  

خطاب الاذاعي أحمد سعيد في نكسه 1967:

ومع تصاعد التوترات الإقليمية، جاءت نكسة 1967 لتشكل اختبار حقيقيا لمصداقية الإعلام المصري، في تلك الأيام العصيبة، كانت الإذاعة المصرية، وتحديدا صوت العرب، تذيع أخبار متفائلة عن الانتصارات الميدانية، بينما كانت القوات المصرية تواجه انتكاسة كبرى على أرض الواقع، المذيع أحمد سعيد، الذي اشتهر بخطابه الحماسي، قدم للجماهير صورة بعيدة عن الحقيقة، ما أدى لاحقًا إلى فقدان الإذاعة جزءًا من ثقة الشعب، ورغم ذلك، استمرت في أداء دورها خلال حرب الاستنزاف، محاولة استعادة مكانتها كصوت وطني مؤثر.  

البيان العسكري بصوت الإعلامي حلمي البلك ليعلن بداية معركة 1973:

وجاء السادس من أكتوبر 1973 ليعيد للإذاعة المصرية وهجها الوطني، إذ كانت الوسيلة الأولى التي زفّت للشعب نبأ عبور القوات المسلحة لقناة السويس، بصوت حلمي البلك، خرج البيان العسكري الأول ليعلن بداية المعركة، فيما تعالت الأناشيد الوطنية، مشعلة حماس المصريين في كل مكان. تحولت الإذاعة إلى شريان رئيسي للمعلومات خلال الحرب، حيث نقلت تفاصيل المعارك لحظة بلحظة، وساندت الجبهة الداخلية بحملات دعم معنوية استثنائية.  

بيان أغتيال الرئيس الراحل أنور السادات 1981:

لكن المشهد السياسي لم يكن دائمًا نصرًا واحتفالًا، فقد شهدت الإذاعة واحدة من أكثر اللحظات الدراماتيكية في تاريخ مصر الحديث يوم اغتيال الرئيس أنور السادات في 6 أكتوبر 1981 في البداية، التزمت الإذاعة الحذر وتأخرت في إعلان الخبر، لكن سرعان ما بدأت في نقل التطورات، معلنة عن مرحلة جديدة في الحياة السياسية المصرية تحت قيادة الرئيس حسني مبارك.  

الإذاعة المصرية شاهدا على الأحداث الكبرى، من الثورات إلى الحروب:

على مدار القرن العشرين، ظلت الإذاعة المصرية شاهدا على الأحداث الكبرى، من الثورات إلى الحروب ومن لحظات الانتصار إلى فترات الأزمات، لم تكن مجرد وسيلة لنقل الأخبار، بل كانت صوتا يعكس نبض الشارع المصري، ومرآة للتحولات السياسية التي شكلت ملامح الدولة الحديثة.

 

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.