“بين الانطباع والتطبيق”… ندوة فكرية بالمهرجان القومي للمسرح تفتح النار على الخطاب النقدي الكلاسيكى
“بين الانطباع والتطبيق”… ندوة فكرية بالمهرجان القومي للمسرح تفتح النار على الخطاب النقدي الكلاسيكى
تقرير_أمجد زاهر
في مشهد ثقافي زاخر بالتساؤلات والتحديات، احتضن المجلس الأعلى للثقافة ندوة فكرية جديدة ضمن فعاليات المحور الفكري للدورة الثامنة عشرة من “المهرجان القومي للمسرح المصري”، التي تُقام تحت رعاية وزارة الثقافة المصرية، وبرئاسة الفنان محمد رياض. حملت الندوة عنوانًا لافتًا: “أشكال الخطاب النقدي الجديد بين النقد الانطباعي والتطبيقي”، وشارك فيها نخبة من النقاد والباحثين المسرحيين الذين قدّموا رؤى متنوعة وعميقة حول واقع النقد المسرحي ومستقبله في مصر والمنطقة.
أدار الجلسة الدكتور أحمد عامر، فيما شارك في النقاش كل من الناقد باسم صادق، والناقد محمد النجار، والكاتب محمد عبد الوارث، وسط حضور ملحوظ من المسرحيين والمتخصصين في النقد والتحليل الفني.

باسم صادق: الصورة البصرية تنتصر… وعلى النقد أن يواكب
افتتح الناقد “باسم صادق” مداخلاته بورقة بحثية حملت عنوان “الخطاب النقدي الجديد في المسرح المصري المعاصر: قراءة تطبيقية على عروض هاملت بالمقلوب، ماكبث المصنع، والملك لير”.
وقدّم صادق تشخيصًا دقيقًا لما وصفه بـ “التحول الجمالي العميق” الذي شهده المسرح المصري خلال العقدين الأخيرين.
وأكد أن النقد التقليدي لم يعد قادرًا على الإحاطة بهذه التحولات، والتي تشمل صعود الصورة البصرية إلى قمة الهرم التعبيري، وظهور السينوغرافيا كأداة سردية قائمة بذاتها، إلى جانب تفكيك الدراما الكلاسيكية إلى لوحات مشهدية مترابطة. وأوضح أن هذه الانعطافات الفنية تفرض على الخطاب النقدي أن يتمرّد هو الآخر، وأن يتجاوز التحليلات البنيوية الجاهزة إلى خطاب أكثر انفتاحًا وجماليات أكثر مرونة.

محمد النجار: انطباعيون بلا منهج… وخطر على المسرح
أما الناقد “محمد النجار” فقد عبّر عن قلقه من هيمنة النقد الانطباعي على المشهد، مشيرًا إلى أن هذا النوع من النقد، القائم على المزاجية والانطباع اللحظي، يُعد تهديدًا حقيقيًا للعروض المسرحية، ويظلم جهود المبدعين. وقال: “النقد لا يمكن أن يكون انعكاسًا لانفعالات شخصية، بل يجب أن يكون قائمًا على أدوات منهجية ومعرفة دقيقة”.
وتحدّث النجار كذلك عن الأزمة التي تواجه وسائل النشر النقدي، خصوصًا مع تحول جريدة “مسرحنا” إلى نسخة إلكترونية، وقلة المساحات المتاحة للنقد المسرحي في الصحافة، مما أضعف حضور النقد الرصين في الفضاء الإعلامي.
محمد عبد الوارث: من يمتلك الخطاب اليوم؟ المتلقي أم الناقد؟
من جانبه، قدّم “محمد عبد الوارث مداخلة حملت طابعًا فلسفيًا، ركّز فيها على مفهوم “الخطاب النقدي” ذاته، وتحوّلاته بعد ثورة يناير، ومع صعود السوشيال ميديا. وأكد أن الناقد لم يعد يحتكر المعرفة كما كان في الماضي، بل بات المتلقي أكثر تقدمًا، يمتلك أدوات تحليل ومقارنة، ويشارك في تشكيل الرأي النقدي، لا سيما عبر المنصات التفاعلية.
وأضاف عبد الوارث: “كل وسيلة إعلامية تصنع جمهورها، وعلى الناقد أن يعيد اختراع أدواته، ويتخلى عن سلطته القديمة”، داعيًا إلى خطاب نقدي جديد يتسم بالمرونة والقدرة على التفاعل مع تنوع الشرائح الثقافية.
توصيات ختامية وحوار مفتوح
اختُتمت الجلسة بسلسلة من التوصيات غير المباشرة، التي دعت إلى تطوير أدوات النقد، والانفتاح على الوسائط الرقمية، وتوسيع مساحات النشر النقدي، مع التأكيد على ضرورة أن يكون النقد شريكًا فعليًا في الحركة المسرحية، لا مجرد تعليق لاحق عليها.
وقد شهدت الجلسة تفاعلًا كبيرًا من الحضور، لتؤكد أن قضية الخطاب النقدي ليست ترفًا ثقافيًا، بل ملفًا حيويًا يحتاج إلى إعادة نظر شاملة في ظل تغيرات الواقع الفني، وتبدلات الذائقة، وصعود أدوات التعبير الجديدة.
تأتي هذه الندوة ضمن سلسلة لقاءات فكرية ينظمها المهرجان حتى نهاية يوليو، وتهدف إلى فتح نوافذ جريئة للنقاش حول المسرح المصري، بكل ما يعتريه من أسئلة وتحديات.