المرأة الخارقة و تحديات الواقع
كتبت : سارة خالد
هذا ما وجدتُ نفسي تقوله بعدما استمعت إلي بعض القصص وشاهدتُ أخري، ووقفت أمام بعض تلك الحكايات أتساءل أكانت تلك الحكايات من الواقع أم أنها حكايات وأساطير تروي لأجل العِظه والعبرة وبر الوالدين، لكن والحقيقة أنني وجدتها في الواقع ولامست معظمها من المقربين، وتحسستُ حجم المعاناة والصبر في كلماتهن أحياناً وحكايتهن أحياناً أخري وفي أكثر الأوقات كنت أشاهد.
للمرأة مكانه عظيمة وضعها الأسلام، ولها أن تكافح لأجل أن تأخذ حقوقها دون نقصان من المجتمع، ولها أن تأخذ فرصها وان تكون جميع المقارنات بين من الأفضل وليس ذكر وأنثي، واعطي لها الأسلام حرية التعليم والعمل، بل لا ينكر أحد بأن كبار صحابة النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يسألون عائشة رضي الله عنها في أمور دينهم ودنياهم، ولم يغفل الأسلام أبداً عن حق المرأة ولم تغفل حقوق الأنسان والآن الكثير يطالب بحقوقها كإنسانة، وكفرد من أفراد المجتمع، لكن؛ وبرغم هذا توجد فئة من النساء يعطين واجبات دون أخذ حقوق، ويعطون بسخاء دون انتظار مقابل، ويعرفون ما عليهم برغم أن مالهم منقوص، لا يعرفن كيف يقفن علي المنبر ينادين بحقوقهن في المساواة لكنهن يقفن علي منبر آخر ينشرن السعادة والحب ويرتدينَّ درع الصبر ويأخذون من واجباتهن أملاً في الحياة..
أنهن بعض الأمهات الذين نجدهم في الحياة يرفعون عن أبناءهن عناء الأيام، ومرارة الليالي، ويمسحون علي جروحهم آخر الليل ليصبحوا ويظهروا بكامل قوتهم لأجل أشخاصٍ آخرين.
أجد واحدة ممن افتخر بمعرفتها جداً لم تحظي بنعمة التعليم تفتح لأبنتها كل المجالات لأجل تعليمها، تطالبها بالتعلم، تخبرها أن التعليم سلاح وأن عليها أن لا تترك هذا السلاح أبداً، تقف خلفها دائماً، تُعطي ببذخ، تعطي أكثر من اللازم، تخبرها أن الزواج هو سنه من سنن الحياة لكن فلتقدم شيء أولاً، لتصبح هي أولاً.
أخري للبيت عائل، ترفع بيت يتكون من ست أفراد، تعمل وتؤدي مهامها كأم وتعود تستمع لحكاياتهم، تعرف ما الذي ينقص كل واحد، ما الذي يتطلب عمله لأجل عمل الصباح، من يحتاج دروس تقوية ومن يحتاج أن تجلس معه، ربما حتي تتخلي عن وقت خاص بها لأجل كل ما حولها ومن حولها! هل قلتُ في بداية الفقرة أخري؟ أعتذر أقصد أخريات، أخرياتِ كثير!
في الحقيقة هناك نماذج كثيرة، نماذج عظيمة، في كل بيت يمكنك سماع قصة أكبر، قصة اعظم، في كل بيت تجد قصة كفاح، قصص تستمع إليها وتسأل من فعل هذا هل كانت امرأة؟
امرأة تعمل صباحاً وتؤدي عملها كعاملة وتهرول للبيت حتي تؤدي عملها كربة منزل وفي المساء تجلس تؤدي أمومتها وتعطي عطف وحنان لأبناءها ثم تقوم م بالأعمال المنزلية ثم تُعيد الكرة في اليوم الأخر ثم ماذا؟ ثم تجد من يثرثر بأنها لا تمتلك حقوق، إذا كانت من تفعل كل هذا، من تجعلني أقف أمامها فاغرة فاهي أتساءل كيف قدرت واستطاعت وتمكنت وبعضهن يقوم بدور الأب والأم معاً أن لا تمتلك حقوق فمن إذاً يمتلك؟
من المخزي أن تقفن تلك النساء إلي الخلف، لا صوت لهن، لا أحد يشعرهن أن ما يفعلن عطاء كبير، أنهن يُنتجن إنتاج عظيم، أن لنا شرف مجاورتهن ومحادثتهن ومصافحتهن، أن فناء أعمار أمثال تلك النسوة لأجل أبناءهن أمر يستحق التقدير، يستحق أن لا تقف خلف الستار تشاهد ما يحدث، بل يستحق أن يرفع عنه الستار قليلاً أن يعرف العالم بأن هنا أبطال من نوع آخر، أبطال يرتدون زي القوة لأجل البقاء، يتقون شر المرض لان مرضهم يعني تعب ذاويهم..
داعب ذاكرتي مشهد لإمرأة من شبرا تُنهي ملف ابنتها بالجامعة في مدينة نصر فتتحدث مع فتاة سألتها لماذا جاءت كان من الممكن أن ترسل ابنتها عوضاً عن أن تقطع هي كل تلك المسافات، فأجابتها بأنها قامت بأخذ أجازة من عملها اليوم لأن ابنتها مريضة وتتمني لو أن تنهي الأمر اليوم ولا تحتاج لأخذ يوم أخر وقطع كل تلك المسافات مجدداً، ليأتي الموظف بكل وقاحة يُخبرها ان الوقت تأخر ولا أبالغ إن قلت إنه تطاول وأشعرها أنه يمن عليها بالحديث أصلا! لأقف جوارها واتمني لو أن أعلمه كيف يجب أن يتعامل مع المرأة العظيمة تلك!
من يسمع تلك المرأة، بل من يشاهد محاولات النساء الدائمة للحفاظ علي الأسرة واستقرارها سواء المادي أو العاطفي، من يشاهد أن عمل النساء أمر عظيم فيقدرهن بدلاً من مضايقتهن؟
من يشاهد هؤلاء النسوة اللاتي توفي عنهن أزواجهن فحافظت وساندت وكانت عكازاً للبيت لا يصدأ ولا يمل ولا يندم بل يعطي بكل حب وإخلاص من؟
لا أحد، وهن لم يحدث أن أنتظرن أحد ليصفق ولا أحد ليطالب بحقها ولم يطلبن أن تُقدرن بل هم في صمت يعطون وفي صمت يبنون، ولكن؛ أليس واجباً علينا أن نقدرهن؟ أن يصبحن في أنظارنا أبطال خارقين؟ أبطال يستحقون أن نتوقف عن عدم تقديرهم؟
أتذكر قول الشاعرة رانية السنوسي في نهاية قصيدة لها “بنت أُمَة” فإن كانت البنت حقاً أُمة فلماذا لازلنا نطالب بحقوق من المفترض أنها مُسلم بها؟
لماذا لازالت تلك النساء في طي النسيان، لماذا لازال البعض يعتقد أن اللاتي يحملن فوق ظهورهن بيتوتاً ويربين الأجيال ويعملن عند لزوم الأمر ويثبتن جدارة في العمل والتعليم أنهن هامش من الحياة وانهن عاطفة لا عقل وأن لا مكان لهن في الحياة العملية؟
أسئلة كثيرة ونماذج عظيمة ستقف كإجابة ربما تكون في طي النسيان لكنها حولنا منتشرة تعلمنا الصبر والحب والوفاء والقدرة والعظمة وكيف أن النساء أبطال وأنهن يتحولن لخارقات إن لزم الأمر، أسئلة تُطرح تعجباً ممن لايزال يعطي حججاً لعدم تقديره لهن ونطالب أولئك الأشخاص بأن يلتفتوا حولهم، ربما يحدث بعد النظر ملياً ورؤية ما تفعله النساء وما يتحملن وحدهن في أن يطالب بصنع تذكار وشكرهن واحدة واحدة علي انها قامت بواجبات دون أن تطالب بحقوق وأعطت دون أن تنتظر المقابل وعانت برغم عدم التقدير بل وصبرت برغم الإهانة وسط مجتمع يظن أن المرأة عورة وأن المرأة في المجتمع تلحقها دائما جمل من نوعية “عيب انتي بنت/ الناس تقول أي انتي بنت/لا انتي بنت/ افتكري انك بنت” كأن هناك ذنب أن ولدت النساء في مجتمعاتنا مثلاً.