صدرت رواية “افتح أنا نادية” سبتمبر سنة ٢٠١٩، بينما صدرت رواية “لوكاندة بير الوطاويط” يوليو سنة ٢٠٢٠ يا ترى أنا بكتب عن الروايتين دول بالذات ليه؟ وليه بكتب انطباعاتي عنهم دلوقتي بالذات؟ ممكن أعترف لكم في البداية إن عندي على رفوف مكتبتي مئات الروايات التي تنتظرني لأطالعها، مشكلتي هي الوقت، في ألف حاجة بتمنعني إني أقعد عشان أقرأ رواية، مشاغل أسرية وتكاليف معيشية، وواجبات يومية، وانشغالات بالكتابة، وبالتجهيز للكتابة، بس ممكن نقول، إن في روايات بتبقى استثنائية، يعني مينفعش تستنى على الرف لتنتظر القراءة، ويا ريت ناخد بالنا إن ده إنطباع شخصي، قد تختلف معي وقد تتفق، الروايتين دول بالذات هما اللي أجبروني في العشر شهور الآخيرة إني أقراهم، رواية “افتح أنا نادية” للأديب تامر عطوة، ورواية “لوكاندة بير الوطاويط” للكاتب اللي بعتبره من أشطر كتاب وقتنا الحالي/ أحمد مراد، الروايتين كنت منتظرهم منذ بدأت الدعاية بتاعتهم، وجبتهم أول ما نزلوا، وقريتهم بشوق، دعونا هنا من إنني قرأت رواية “افتح أنا نادية” مرتين ورا بعض. ١ – يا تري ممكن يكون في رابط ما بين الروايتين كمان، أه طبعا النطاق المكاني اللي بتبدأ منه الأحداث وهو حي “السيدة زينب”، بس “افتح أنا نادية” بتدور في سنة ١٩٩٥م، بينما “لوكاندة بير الوطاويط” بتدور سنة ١٨٦٥م. ٢ – حنلاقي برضه بطل رواية افتح أنا نادية هو الكاتب نفسه اللي بيرصد معالم العالم اللي بيستكشفه بعيون منبهرة وببراءة سنوات التكوين الأولى، كأنه “دانتي” في “الكوميديا الإلهية” وهو بيتتبع خطوات “بياتريس” اللي بتخليه يشوف عوالم لم يخبرها من قبل، فتحس إنه بيكتب لنا مذكراته زي ما عودنا في رواياته “شقة الهرم” و”شقة وسط البلد” و”المسكون” وكمان في “لوكاندة بير الوطاويط” الرواوي هنا هو المصور سليمان أفندي اللي برضه بيحكي لنا في يومياته كل اللي بيمر بيه من أول الرواية لآخرها. ٣ – مبدعي الروايتين قدروا يتكلموا فعلا بألفاظ وعبارات تناسب أبطال الرواية، في ريفيو سابق كتبته لرواية “افتح أنا نادية” قلت وشرحت إزاي المؤلف خلاني أقرا الرواية مرتين ورا بعض عشان أستمتع بالسلاسل اللفظية فائقة العذوبة اللي صاغ بيها الرواية، في بير الوطاويط دعونا نعترف أن أحمد مراد نمى حصيلته اللغوية بطريقة ملفتة للنظر، أنا أكاد أجزم إنه قرأ وثائق أو جرائد زي “الوقائع المصرية” عشان يعرف يخلي البطل يتكلم كده ويقول المصطلحات دي، اللي بتناسب روح عصر منتصف القرن التاسع عشر. ٤ – كاتبنا “تامر عطوة” في “افتح أنا نادية” خاض بينا دروب وعرة وعرفنا علي عالم علب الليل وغاص بينا في الماضي عشان يعرفنا على بداية مأساة نادية واتعرفنا علي عالم الفتوات وعالم البغاء وبائعات الهوى في الأربعينات، شفنا معاه عالم الزار والكودياوات، عالم السحر الشعبي، وعالم الموالد والمدائح النبوية، وعندنا في لوكاندة بير الوطاويط بياخدنا أحمد مراد لعالم برضه بنتعرف عليه عن طريقه، عالم شيوخ الحارات، وعالم أرباب مهنة المشاعلية، بل بياخدنا في رحلات أسطورية لعوالم افريقيا السوداء وأساطيرها وقبائلها المتوحشة، الرحلتين في الروايتين فائقتي الإمتاع وإن دلتا على شئ فهي بتدل على كمية القراءة والتحضير قبل البداية في كتابة الروايتين، وبالصدفة برضه حنلاقي ان الروايتين السابقتين للروايتين دول صدرا من ٣ سنين، فرواية “افتح أنا نادية” صدرت سنة ٢٠١٩ والرواية اللي قبلها ل تامر عطوة اللي هي “المسكون” كانت سنة ٢٠١٦، ورواية “لوكاندة بير الوطاويط” صدرت ٢٠٢٠ والرواية اللي قبلها ل أحمد مراد كانت “موسم صيد الغزلان” ودي صدرت ٢٠١٧. ٥ – لو حبينا نتكلم عن الشخصيات في الروايتين، حنلاقي في فرق ملحوظ، في رواية افتح أنا نادية أنا عرفت ملامح وطريقة كلام كل شخصية، لسة فاكر “أم زينهم” كان شكلها إيه، ولسة ملامح “أبلة كريمة” في ذهني، ملامح “عبلة سكسكة” و”وليد برشامة” وازاي بيتكلم تحت تأثير المخدرات و”سميرة شبشبة” الساحرة الشعبية، المؤلف في نادية صنع لنا شخصيات ثلاثية الأبعاد تلتصق ملامحهم بخلايا عقلك الرمادية لتبقى طويلا، أحمد مراد في بير الوطاويط كتب الرواية بطريقة سنيمائية أنيقة جدا، عشان عينه بالطبع على شاشة السنيما، إنما للأسف حاليا مش قادر أفتكر ملامح “سليمان أفندي السيوفي” البطل بالفعل، مش قادر أفتكر ملامح وطريقة كلام “بوراك الأرناؤط”، مش قادر أتخيل شكل “عزيزة”، على سبيل المثال عرفت إن بوراك الأرناؤط له شارب صرصاري المظهر فقط. ٦ – الروايتين يمكن تحويلهم إلى عمل سنيمائي حيترك أثر وصدى. ٧ – في مشكلة قابلتني في نهاية رواية لوكاندة بير الوطاويط، حسيت إنها إتقفلت بسرعة جدا، سليمان بمهارته الإستقصائية، وجد ثغرته في رواية “مسك هانم”، لما قارن قوتها الجسدية المحدودة بحجم الشمعدان اللي ادعت إنها ألقته على قاتل زوجها، مقتنعتش أنا بإن خطة محكمة زي خطتها هي وأخوها ممكن يكون فيها ثغرة زي دي، حسيت إنه عاوز يقفل الرواية بسرعة فإستخدم تكنيك “الإله من الآله الشهير”، بينما في نهاية رواية “افتح أنا نادية” المؤلف كتب النهاية متمهلا برصد مصائر كل شخصية، وقد جاءت النهاية محكمة مكتوبة بإحكام قد يكون ذلك لأن كاتبنا كان شاهد عيان على كل ما كتبه ورواه لنا. ٨ – يا ترى الألفاظ اللي موجودة في الروايتين واللي أثارت الجدل وقيل إنها فجة ومبتذلة ممكن تكون مناسبة لجو الروايتين؟ بالنسبة ل “افتح أنا نادية” ، البيئة اللي بيحكي فيها المؤلف روايته ممكن تخليك تقتنع إنه مش بيتعمد إنه يسف أو يتباهي بألفاظ ممكن تعرضه للإنتقاد، بس لما نلاقي “وصلة ردح” بين إتنين ستات في حارة شعبية، ممكن نتقبل ده بمنطق إن الردح بيتقال فيه كده فعلا، بس لما نشوف نشأة “سليمان أفندي” بطل “لوكانده بير الوطاويط”، وجو البشاوات والقصور، حنلاقي إن كثير من الألفاظ أعتقد إنها مقحمة على جو الرواية. ٩ – الروايتين فيها كمية سرد وحكي غاية في الإمتاع على فكرة، المنولوجات الذاتية للأبطال في الروايتين تثير شغفك وتدفعك لقراءة الروايتين في جلسة واحدة، في “نادية” إنت بتشوف عوالم لم يسبق لك رؤيته كما قلت إلا في روايات شيخ الحكائين “خيري شلبي”، وفي “بير الوطاويط” بتشوف عالم القصور والمؤامرات اللي الأفلام والروايات معالجهوش من نفس زوايا أحمد مراد. ١٠ – الروايتين فيهم أجواء فانتازية رائعة مع تماس بسيط مع عالم الرعب، عندنا كمان ان الروايتين فيهم وصف لجلسة تحضير أرواح، كان بطلنا في نادية وهو الكاتب نفسه هو الوسيط، بينما في بير الوطاويط سليمان أفندي كان هو المصور لجلسة التحضير، من قرائتي لروايات تامر عطوة السابقة كنت بحضر نفسي لجرعة رعب أكبر بكتير، ولكنه في نادية خالف كل توقعاتي وغادر عالم الرعب النقي “البيور” لعوالم أكثر رحابة بس الجميل إنه عمل ده وهو واقف بالفعل على أقدام راسخة، أحمد مراد شفنا الرعب كله في روايته الفيل الأزرق التي أعشقها، ومن الدعاية ل “بير الوطاويط” اعتقدت إنه راجع لعوالم الفيل الأزرق المقبضة، ولكنه أدهشنا بتركيبة مميزة من الضلالات والوساوس والتهاويم النفسية بدقة يحسد عليها. ١١ – وفي الآخر في ملحوظة ما، أنا عارف إن عقل المؤلف عبارة عن خلاط نشط بيحول كل خبراته المرئية والمقروءة لمخلوط يحمل ملامح وأسلوب الكاتب، وفي كل ندوة أو كل مناقشة لرواية من رواياتي، ألاقي اللي يقول لي إنت متأثر بكذا ورواية كذا وفيلم كذا، وأقسم لكم دايما ببقى مذهول، وكأن اللي قال كده بيلفت نظري لده لأول مرة لإن ببساطة لو أنا حاسس إني بقلد حد مستحيل حكتب ده وأعرض نفسي لإن حد يقولي يا نحات، ويحضرني هنا “العراب” د/ “أحمد خالد توفيق” رحمه الله لما كان بيجهز لروايته الأولي “أيام الشهاب الأولي” وكان كتب جزء كبير منها لحد ما إنتبه لإن فكرتها تشبه فكرة رواية “الطوف الحجري” ل “خوزية سراماجو” فمزق مسودات الرواية وكتب رواية ” يوتوبيا” وفي أحيان كتير ممكن أكون مشفتش الفيلم اللي بيقول عليهالناقد أو القارئ، وممكن مكمش قريت الرواية اللي بيقول عليها. في رواية “افتح أنا نادية” أنا قلت في الريفيو أن ملقتش كاتب بيعرف يكتب كده قبل المؤلف غير، أستاذنا نجيب محفوظ وأستاذنا خيري شلبي، وفي كتابة السيرة الذاتية لقيت الصراحة التي تميز بيها أحمد فؤاد نجم وأستاذنا عبد الله الطوخي، نيجي ل بير الوطاويط، في مشاهد بعينها بيظهر تآثر كاتبنا المتميز أحمد مراد ب روايات “إدجار آلان بو” وخصوصا كابوسية فكرة إن البطل سليمان يدفن جثمان أمه وجثمان عزيزة داخل حائط غرفته في اللوكاندة، مشهد حفر الخنافس لرأس الباشا حتى الموت عبارة عن تنويع لأبشع طرق محاكم التفتيش، بس كانت عبارة عن حبس فئران بين جدار بطن الضحية وإناء معدني يثبت على بطن الضحية ومحبوس فيه فئران جائعة، ده عادي زي ما قلنا، بس إيه موضوع الأمثال الشعبية الحريفة اللاذعة اللي بيقولها “سليمان السيوفي” طول الرواية، يا تري ده ممكن يخلينا نقول إن أحمد مراد تآثر مثلا برواية “افتح أنا نادية” المليئة بأمثال شعبية لاذعة تجعلك تبتسم وقد تدفع بحمرة الخجل لوجنتيك، في مشهد كمان لفت نظري أوي في تهاويم وتخاريف سليمان، تلك القطة السوداء ذات الشامة البيضاء والعينين الزرقواتين اللي قابلها “سليمان”، ونلاقي تجسد للقطة بعد كده على هيئة أنثى الماو ماو ذات الذيل التي شراها البطل من النخاس بثمن بخس، لتصير جاريته ويعاشرها معاشرة الأزواج، هل من قبيل الصدفة إن ده بيحصل في رواية “افتح أنا نادية”، تلك القطة المتحدثة التي زارت بطلنا في غرفة السطح، لتتحول في مشاهد معينة إلى نادية الأنثى الشبحية الفاتنة التي يعاشرها بطلنا في الرواية؟ هل تآثر “أحمد مراد”، برواية افتح أنا نادية في النقطتين دول؟ ولا بالصدفة الجارية السوداء “قشطة” ذات الشامة البيضاء والعيون الزرقاء والذيل، كانت تشبه القطة ذات نقس المواصفات اللي شافها “سليمان السيوفي”، وبطلة افتح أنا نادية بحضورها الشبحي الخوارقي كانت برضه على شكل قطة، مع العلم إن “نادية” تسبق “الوطاويط” بعشر أشهر كاملة.
وفي النهاية برضه لاحظوا إني بسجل إنطباعات شخصية عن الروايتين، قد تخطئ وقد تصيب. #إسلام_سمير_عبد_الرحمن