جرعة أنوثة ( معاناة الفراق و متلازمة القلب المنكسر )

بقلم| بسنت يوسف

أثناء حضوري إحدى محاضرات علم النفس أثارت فضولي كلمات إحدي الحالات التي حكي صاحبها عن وقائع إنهاء الخطوبة بينه وبين خطيبته السابقة بالتفصيل قائلا في نهاية حديثه: ( من وقت فراقها وانا حاسس ان قلبي مكسور.. قلبي بيوجعني ).

كلمات مؤثرة موجعة حقيقية نابعة من أعماقه، تذكرت وقتها جملة كتبها ابراهيم اصلان في إحدي مقالاته ( خلوة الغلبان ) جملة ذات معنى، قال ( كان حريصا علي ان يختلي بي لكي يخبرني بأن علي الواحد أن يعيش ويراقب ما شاء، شرط أن يحرص على بقاء مسافة بينه وبين الواقع، مسافة يأمن معها أن لا ينكسر قلبه ).5FFD707E-7744-4D7B-A68D-05B414B6A531لكننا في عالمنا النسائي نعتقد

أننا من تكسر قلوبنا .. نحن من نتعرض للخيانة.

نحن من تجرح الرجال مشاعرنا.

نحن ذوات المشاعر المرهفة الهشه والرجال من كوكب آخر لا يشعرون بما تشعر به المرأة من آلام وقت الخذلان، بل يسمونه رومانسية مفرطة.

نحن من نتأثر بالانفصال وكأننا كنا تحت تأثير مخدر ما، تمتزج كلماتنا بالكثير من الغضب والكثير من المحبة ايضا، والمحاولات الصعبة للخروج من تلك الحالة المزاجية السيئة لا الافلام ولا الخروج من المنزل يهونون الأمر، الاحساس بثقل الروح وحالة الجسد المنهك من التفكير الزائد وعدم مرور الوقت.7FFB1CE0-216D-4620-A17D-473B88BD8993  وبالبحث عن فكرة الفراق والانفصال و تأثيره علينا وكيف يمكننا التخلص من الشعور المؤلم للفراق خصوصا أنه يبقى؟

ثار فضولي حول عدة تساؤلات ….

هل حقا يشعر الرجل بما تشعر به المرأه عند الانفصال !!؟

ماذا يحدث لأجسامنا عند الفراق ؟

وما هي متلازمة القلب المنكسر ؟

وهل معاناة لعنة الفراق متساوية لدى الطرفين ؟E0ACD05E-F89D-4337-8D28-EE9ADF7BFD36متلازمة القلب المنكسر:

عام 1990، ذكر بعض العلماء في اليابان لفظ “متلازمة القلب المنكسر – Broken Heart Syndrome”، أو كما عرّفها العلماء اليابانيون“Takotsubo Cardiomyopathy”،

و Takotsubo هو فخ يُستخدم لصيد الأخطبوط، وسبب التسمية أن القلب في أوقات الانكسار يُشبه كثيرًا فخ الأخطبوط. تصيب المتلازمة الذين يمرون بأزمة فقد أحد أحبائهم، سواء بالوفاة أو بالهجر.

يمكن أيضاً أن يصاب بها من تعرّض إلى حادث، أو مفاجأة أكبر من درجة تحمله كخسارة ثروة مثلًا، وتناول بعض العقاقير الإيبفرين أو الأدرينالين.

تٌشبه أعراضها أعراض الأزمة القلبية، حيث يشعر المُتضرر بألم في الصدر وضيق التنفّس وانخفاض سريع في ضغط الدم، والألم الشديد.

لكن متلازمة القلب المنكسر تختلف عن النوبة القلبية في شيء رئيسي وأساسي للغاية، وهو أن الأزمة القلبية سببها انسداد كُلّي أو شبه كُلّي لأحد شرايين القلب، ويرجع ذلك الانسداد إلى تجلّط دموي قد ينتج عن تراكم الدهون (تصلب الشرايين).

أما متلازمة القلب المنكسر، فلا تسد شرايين القلب، على الرغم من تسببها فى إنخفاض ضغط الدم وانخفاض تدفقه في الشرايين.

يمكن بالطبع أن تتضاعف نسبة الإصابة بالمتلازمة من خلال عوامل الخطر، منها أن تكوني أنثى مثلًا، حيث اكتشف العلماء اليابانيّون أصحاب التجربة الأولى أن 90% من المصابين بالمتلازمة كانوا نساءً تتراوح أعمارهم بين 58 و75 عام، حيث يصاب بها عادةً من تخطوا عامهم الخمسين.

يمكن للمتلازمة أيضاً أن تصيب من لديهم تاريخًا مرضيًا من الإصابة بحالة عصبية، مثل إصابات الرأس والصرع، أو الإصابة بإضطرابات نفسية حالية أو سابقة مثل القلق أو الاكتئاب.

عمومًا، لا يبدو مرضًا خطيرًا، لكن أثره – في النهاية – لا يُمحى بسهولة، نعم الزمن قادر على محو الألم ومساعدة الجروح على الالتئام، لكن الأمر ليس بسيطًا كما نتخيل.

الألم والانفصال من الإنسان البدائي حتى الآن:

نشرت صحيفة “Journal Proceedings of the National Academy of Science” واختصارها (PNAS) دراسة عام 2011 تكشف أن الانفصال/ الرفض العاطفي يُنير مناطق خاصة بالألم في المخ.

أجرى الدراسة الباحث إدوارد سميث من جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث فحص 40 متطوّع مروا بتجربة الانفصال خلال 6 شهور ماضية على جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)، وعندما طلب منهم أن ينظروا إلى صور حبيباتهم وأحبائهم السابقين، وعندها، أظهر الجهاز إنارة الأجزاء الخاصة بالألم في المخ.

يمكننا أن نقول عن الاكتشاف السابق، أن أسبابه قد تعود إلى ما قبل تاريخ الحضارة الإنسانية، حيث ورثناه عن الإنسان البدائي، ومخنا التطوّري لم يتمكن من التخلص منه. وقتها، الرفض تشابه مع الألم، كلاهما قد يؤديان بك إلى الموت، فالوحدة ستُسهّل المهمة على الحيوانات الضارية المفترسة، والألم أيضًا لن يساعدك على الهرب منهم أو محاولة قتالهم. يبدو أن عقولنا لا تتقبل فكرة الوحدة الإجبارية تحديدًا بصدرٍ رحب حتى بعد آلاف السنون، وإذا حاولت التفكير في الأمر غالبًا ما سينقبض قلبك بشكلٍ أو بآخر.

أعراض الانفصال تشبه أعراض الانسحاب من التعاطي:

وإمعانًا في اكتشاف صعوبة الفقد علينا، نشرت عالمة الإنسان أو الأنثروبولوجيا هيلين فيشر من جامعة روتجرز في الولايات المتحدة دراسة عام 2010 في صحيفة “Journal of Neurophysiology”، عن الشعور بالخسارة والتيه، واكتشفت أن الانفصال عند نصفك الآخر يُنير نفس الأجزاء التي يُنيرها مُخدر “الكوكايين” في المخ.

بمعنى آخر، يُشبه الشعور بالحب – بالنسبة للمخ – الإدمان، في بدايته ونهايته أيضاً، لذلك يتشابه من طرق الحب بابه ومن يغادره في الوله والهيام والتيه بالمحبوب، وتذكره عِند كل منعطف بسبب وبلا سبب.

قالت “فيشر” أن أعراض الانفصال عن المحبوب تشبه إلى حدٍ كبير أعراض الإنسحاب من المخدرات.

وقال عالم النفس “جاي وينش” أن المصاب بتلك الأعراض لا يمكنه مواصلة حياته لفترة قد تطول أو تقصر بشكلٍ طبيعي، حيث تؤثر على حياته الشخصية وعمله وعلاقته بمن حوله أيضاً.

يخيّل إلي، أن الأمر يشبه تمامًا ما شاهدته منذ أيام في فيلم “إسكندرية كمان وكمان” (1990) من إخراج العبقري يوسف شاهين، حيث يتحدث فيه شاهين عن انفصال ممثلة المفضل محسن محي الدين عنه، مما يؤثر على عمله ويوقفه لمدة ما يقرب من عامين حتى تمكن أخيرًا من مواصلة الكتابة والإخراج.

لا يتوقف أمر الانفصال والفراق عند تأثُّر العمل والحياة الشخصية والعلاقات به، بل يمتد إلى التأثير على جسد المصاب بآلامه، حيث يؤثر على المعدة عن طريق هرمون الكورتيزول (هرمون التوتر)، حيث تُخزّن كل ما تحصل عليه من سكريات ودهون، مما يؤدي في النهاية إلى زيادة الوزن بصورة غير طبيعية. يتأثر الجلد أيضاً إما بالحساسية أو بالإكزيما أو بالحبوب والبثرات وغيرهم، بالإضافة إلى ضعف العضلات والشعور بالوهن، وأيضاً كما اتفقنا في البداية، يؤدي إلى متلازمة القلب المنكسر، بما تحمله من أعراض آلام الصدر والقلب وغيرهم.

قوة العزاء وتقبّل الحزن:

إذًا، ما العمل؟ إذا لم يصب المرء بمتلازمة القلب المنكسر ولم يحتاج الى طبيب، لكنه أصيب بجميع أعراض الانفصال.

لا أدّعي أنني أمتلك المعرفة الخاصة بكيفية التخلص من المشاعر السلبية للفرق، لكن في العزاء قوة قد تساعد على تخطي المشاعر والنظر إليها بعين مختلفة وتقبّلها في مرحلةٍ ما. والعزاء هنا معناه إطلاق العنان لمشاعرنا، والتعبير عن الحزن بكل الطرق الممكنة، وعدم محاولة كتم المشاعر أو التعالي عليها بإنكارها، لأنها ستظهر على السطح عاجلًا أم آجلًا.

قالت الطبيبة النفسية “إليزابيث كوبلر روس” أن العزاء سيحدث إما كجرح مفتوح يلتئم، أو كجرح ينزف، إما بصدق أو بغير ذلك، إما بشكلٍ مناسب أو بشكلٍ غير لائق، سيتم التعبير عن المشاعر في النهاية.

لذلك ننصح بمحاولة تقليل وقت المرحلة الأولى من العزاء، وهي مرحلة الصدمة، أو عدم التحكم في مشاعرنا وإنكار الحزن، وقد تطول تلك المرحلة رُغمًا عنّا، لكننا في النهاية قد نصل إلى المرحلة الثانية عندما ندرك مشاعرنا و نستوعبها.

المرحلة الثانية هي مرحلة الألم كما قال عنها فرويد، فهي مرحله إدراك المشاعر وترك المساحة لها حتى تظهر بأريحية. مرحلة التعامل مع الحزن كشعور طبيعي لنا، عن طريق البكاء أو الغناء أو مشاهدة الأفلام أو الجلوس بمفردك أو مع من نحب من معارفنا وأصدقائنا، المهم أن نُعبر ونقول ولا نبخل على أنفسنا بالشعور، حتى بالمشاعر السلبية، فكل ما نشعر به يوصلنا رويدًا رويدًا إلى المرحلة الثالثة والأخيرة.

المرحلة الثالثة يمكننا أن نطلق عليها اسم مرحلة التقبّل ومواصلة الحياة، وهي التي ندرك فيها أننا تصالحنا مع مشاعرنا الحزينة، وأدركنا أنه لابد من مواصلة الحياة وتخطي الانفصال والفراق، لا عن طريق تعويضه بأي طريقة ممكنة، بل عن طريق تقبله والمُضي قدمًا بعيدًا عنه.

قد يشعر المرء في ذلك الوقت بالحزن مرةً أخرى ويبكي، حسنًا لا بأس، كما اتفقنا الحزن جزء أساسي من تركيبة مشاعرنا، فلا مانع من التعبير عنه، الأهم أن ندرك أن الرجوع إلى الخلف لن يفيد، فالسعي لتقبّل أنفسنا والعمل على تنمية مهاراتنا والبحث عن مناطق وفرص جديدة يزيد من نضجنا وافتخارنا بأننا واجهنا الفقد والفراق، وتخطيناهما بشجاعة تستحق الإعجاب.

الفراق هو القاتل الصامت والقاهر المميت والجرح الذي لا يبرأ والداء الحامل لدوائه.

لذلك لا تقترب أكثر من اللازم، ولا ترتبط بشخص أو مكان أو شئ أكثر من اللازم، لأن أكثر من اللازم سيجعل المعاناة أكثر من اللازم.

بعد البحث أدركت أنه ربما.. ربما لم تكذب الأفلام و الأغاني عند وصفها للفراق العاطفي ب ( كسر القلوب غاااالي ).

أدركت أنه لو همس العشاق بشوقهم لملؤا العالم ألما لا ينتهي.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.