عندما يتألم كبار الفنانين في صمت..كتب: خالد فؤاد

ماهو المطلوب من الفنان الكبير الذى أفنى عمره في الفن وقدم عشرات ومئات الأعمال الجميلة المحترمة ولم ينتمي يومًا لشله ما ولا يزال قادرًا على العمل والعطاء؟
هل نقوم بإلقاء النار عليه ونعامله كخيل الحكومة التي يتم قتلها حينما يتقدم بها العمر؟
أم نجبره على الجلوس في بيته يعاني ويصرخ من التجاهل حتى يموت غمًا وكمدًا؟

أسباب غير فنية:

تلك هي المشكلة الأزلية التي عاني منها عشرات الفنانين الكبار ليس من اليوم فحسب بينما منذ عشرات السنين؛ فيفاجأ كل منهم بعد أن وهب حياته للفن وقام بتفضيله على نفسه وحياته الخاصة وتمضي به السنين وهو متنقلًا من هذا الأستوديو لذاك ومن هذا المسلسل لهذا الفيلم حتى يتقدم به العمر فيفاجأ بحالة من التجاهل التام من قبل المنتجين والمخرجين له ولتاريخه وعطاءة لأسباب في الغالب غير فنية على الإطلاق فتبدأ رحلة المعاناة والمرض والحزن فيعاني إما من الوحدة والتجاهل أو الأمراض الصعبة التي تصل لدرجة الشلل اللعين كما حدث مع الكثير من الفنانين الذين سنتعرض لهم بالتفصيل في السطور القادمة.

ابوزهرة والكبار:

والقضية هنا ليست متعلقة بالفنان الكبير عبدالرحمن ابوزهرة فقط كما قد يعتقد البعض .. بينما هي قضية أجيال وأجيال من كبار الفنانين الذين امتعونا لسنوات طويلة بأعمالهم الراقية ثم فوجئنا بإختفائهم من الساحة بشكل مفاجئ كما ذكرنا لأسباب غير فنية ونقصد بغير فنية عدم إنتمائهم لشلليات بعينها أو يرفضون تقديم تنازلات تتنافى مع تاريخهم أو لايمتلكون صفات النفاق والطبطبة واربط الحمار كما يريد صاحبه التي تساهم في كراهية صناع الأعمال في الزمن الهباب لهم ؛ فيقررون تجنبهم والإستعانة بفنانين آخرين أقل منهم عطاء وتاريخًا بغض النظر عن مدى مناسبة الأدوار لهم لمجرد أنهم مطيعون ولا يجادلون ويوافقون على تقديم كل المطلوب منهم من تنازلات دون صداع أو وجع دماغ.

وجه جديد:

فما فعله ابوزهره بظهوره بهذا الشكل وتعبيره عن حزنه لعدم العمل ومناشدته للمخرجين بالعبارة المؤلمه ” اعتبروني وجه جديد” ومع اتفاقنا على إننا لايمكن أن نلومه عليها فمن الصعب أن يستطيع أي فنان ممن يعانون من عدم العمل والجلوس في بيوتهم بالشهور والأعوام التعبير عن حالته بنفس الشكل؛
ربما خجلًا وربما حفاظا على ماء وجوههم وعدم قدرتهم التعبير عن حالتهم بنفس الشكل لشعورهم بإنها تمثل إهانة لتاريخهم وعطائهم؛ فيفضلون الصمت والإنزواء بعيدًا حتى لايشعروا بإهانه ومنهم من يدعي أن هناك سيناريوهات يتلقاها ويرفضها ومنهم من يصل به الأمر للقول إنه عمل كثيرًا وجاء وقت الراحة والإبتعاد بهدوء.

طرق مُهينة:

ونتفق أن كل هذا ليس من الأمور الطبيعية ولايجب معاملة كبار الفنانين بهذا الشكل المُهين وليس مطلوبًا منهم الشكوى أو الحديث عن معاناتهم بل يجب البحث عنهم وتقديرهم وصنع الأعمال لهم خصيصًا كما يحدث في كل الدول المتحضرة التي تقدر فنانيها الكبار وتحرص على اسعادهم وتكريمهم حتى آخر يوم في حياتهم كأقل تقدير لما قدموه خلال مشوارهم وإسعادهم للملايين حول العالم.

والعكس تمامًا يحدث في مصر والعالم العربي فهناك عشرات من الفنانين الكبار الذين امتعونا لسنوات طويلة بأعمال جميلة خالدة ويعانون الآن من عدم العمل مع اتفاقنا على قدرتهم على الوقوف أمام الكاميرات وآداء أدوارهم بتميز.

أزمة حسن يوسف:

فقبل عامين من الآن ظهر الفنان الكبير حسن يوسف وأدلى بتصريح مشابه عن معاناته بعدم العمل حيث أشار إلى تجاهل المنتجين لعمالقة الفن لمجرد تقدمهم في العمر وقد أعلن مؤخرًا تضامنه مع ما ذكره المتميز عبد الرحمن أبو زهرة، من خلال مداخلة هاتفية بأحد البرامج، حيث صرح قائلًا: “نحن جيل صنعنا البهجة للجمهور أكثر من ٦٠ عامًا ولم نخذله يومًا وقدمنا أعمالًا ارتقت بطموح المشاهد متسائلاً باستهجان شديد لا أعرف سر تجاهل المنتجين للفنانين الكبار.

كما أكد النجم حسن يوسف قائلًا هناك فنانين كبار في أمس الحاجة للعمل والدعم النفسي للخروج من حالة الاكتئاب التي أصابت أصحاب خريف العمر بسبب فقدانهم لأحد أصدقائهم أو أقاربهم.
وقد علق المتميز حسن يوسف بحسه الفكاهي المعهود على تفكير الفنان أبو زهرة في الاعتزال قال: “قرار خاطئ وأقوله استنى لما أجي معاك أنا وعزت العلايلي ويوسف شعبان وحسين فهمي، في ناس كتير مبتشتغلش بقالها سنتين تلاتة، نعمل جروب، لكن ميسبناش ويروح لوحده كده”.

رشوان توفيق:

كما أكد الفنان الكبير رشوان توفيق في تصريح خاص له أن السينما العالمية كالفرنسية والأوروبية لا تتجاهل الفنانين الكبار بل تقدمهم كأبطال على الرغم من تغير ملامحهم وتقدم العم بهم، إلا أنهم يتصدرون المشهد السينمائي دومًا، بل وتتم كتابة موضوعات خاصة لهم تتناسب مع مكانتهم الفنية وأعمارهم وحالتهم لصحية أيضًا.
وقد أعرب رشوان توفيق عن حزنه لتجاهل المنتجين والمخرجين للنجوم الكبار، كما أكد على كونه لن يتنازل أبدًا عن مسيرته الفنية وأنه يعتزجدًا بتكريم وزارة الثقافة له والذي اعتبره بصمة الدولة والتي ساهمت بشكل كبير في إعلاء روحه المعنوية وتحسين حالته النفسية.

فعلى الرغم من قيمة الفنان أحمد خليل وما قدمه من أدوار تاريخية وتراجيدية، إلا أنه في منزله بعيدًا عن الأضواء منذ فترة، حيث أنه كان من بين قائمة العمالقة الذين قد تم تجاهلهم خلال الفترة الماضية.

لم يخرج علينا أحمد خليل داعما لزميله النجم عبد الرحمن أبو زهرة ولم يظهر شاكيًا وقد يرجع إلى أسباب عديدة ولكن النجم رشوان توفيق هو من سلط الضوء على هذا العملاق الذي تقاعد عنوة وبدون أي سبب فني، حيث قال رشوان توفيق عنه بحزن شديد: نظرًا لوجود فنان كبير بقيمة وقامة أحمد خليل بعد تقديمه تاريخًا فنيًا مشرفًا في منزله ولا يعرض عليه أدوار على الرغم من موهبته العظيمة.

أشرف عبد الغفور:

كما صرح الفنان الكبير أشرف عبد الغفور أن غياب النجوم الكبار والذين قدموا لسنوات طويلة من عمرهم في خدمة الفن موضوع شائكًا جدًا ووجود منذ عشرات السنين، فهو ليس بظاهرة جديدة ولعل ذلك يرجع إلى افتقار ثقافة تقديم عمل يناسب فئات عمرية مختلفة وقد أكد النجم على انعدام وجود كتاب يقدمون شخصيات رئيسية بشريحة عمري ٧٠ عامًا لما فوق وقد استطرد النجم أشرف عبد الغفور قائلًا: بعض النجوم ينزعجون ويحزنون ولكنني أكتفي بمراقبة الأمور عن بُعد فعلى مدار ٣٠ عامًا وأكثر نُكرر نفس الحديث ونقدم توصيات ولا حياة لمن تنادى ولا مُجيب فاكتفيت بالصمت وابتعدت عن الإعلام.

لطفي لبيب:

أما الفنان الكبير لطفي لبيب فقد كانت له وجه نظر مختلفة نوعًا ما عن بعض زملائه، حيث أكد على أنه لم ولن يعتزل الفن أبدًا ولكنه ابتعد في تلك الفترة نظرًا لتعرضه لوعكة صحية نتجت عن إصابته بجلطه في المخ، مؤكدًا أن وضعه الصحي مستقر للغاية ولكنه يرفض العمل في الوقت الحالي لظروف مرضه.
حيث وجه الفنان لطفي لبيب رسالة لجمهوره قائلًا: أنا كويس وخبر إني اتنقلت للعناية المركزة والإنعاش ده كاذب، أنا كويس الحمد لله في نعمة كبيرة وقادر على الحركة أهو وبتكلم حلو أهو، اطمئنوا أنا كويس واستطرد مؤكدًا:  أنا في حالة مرض، مقدرش أشتغل.. اعتبروه شبه اعتزال أو اعتزال.. وادعولي ربنا يشفيني.

وأضاف النجم لطفي لبيب: أنا شبعت تمثيل لأن الممثل لا بد أن يكون ذو مرونة عصبية وعضلية ويجب أن يكون جسده رياضيًا، لأن مهنة التمثيل مش سهلة ومتعبة جدًا وأنا بعتبرها ثاني مهنة صعبة بعد عمال المناجم.

وقد صرح النجم في أحد لقاءاته أنه يتجه إلى التأليف والكتابة في الفترة القادمة إذ أنه لا يستطع الابتعاد عن مجال الفن بوجه عام ولكن متوقف لفترة عن التمثيل فحسب.

محمود الجندي:

ويذكرنا هذا بالتصريحات الموجعة التي أدلى بها الفنان الكبير الراحل محمود الجندي في أحد اللقاءات أنه قد حارب في الصخر ليصل إلى ماوصل له وقد بدأ مسيرته الفنية كومبارس وعلى الرغم من ذلك فقد تجاهلته جميع المهرجانات وقد صرح حينها أن تكريمه الأول كان من قبل مهرجان للهواه ولكن في النهاية لم يكفيه حب الجماهير له.

شويكار والعزلة:

ويختلف الأمر نسبيًا بالنسبة للفنانة الكبيرة شويكار التي ودعت عالمنا مؤخرًا حيث ظلت ترفض بعزة نفسها الشهيرة مجرد الشكوى فقد اختارت أن تبتعد عن الأضواء، بهدوء في السنوات محتفظه لنفسها بالصورة الجميلة في عيون الجماهير حتى لا تهين نفسها مرة أخرى بعد ندمها منذ ١٠ أعوام على الشكل الذى ظهرت فيه في فيلم “كلمنى شكرا” والذى قامت فيه بدور أم إبراهيم توشكى السيدة البسيطة ابنة الحارة الفقيرة، فقد شعرت كما قالت بالغربة أثناء تصوير الفيلم، فلم تعد الأجواء هي نفسها التي اعتادت عليها، لعدم الترابط والحميمية بين أبطال العمل الفنى وانتظرت بعدها أي سيناريوهات تليق باسمها وتاريخها فلم تجد فقررت الإبتعاد تمامًا ولم تظهر سوى قبل شهور قليلة مع انتشار شائعات المرض حتى ودعت عالمنا في هدوء.

المنتصر بالله:

ومؤكد أننا نتذكر جميعًا أزمة الفنان الكبير المنتصر بالله الذى ظل قرابة العشرة أعوام بلا عمل وراح يشكو من تجاهل المخرجين والمنتجين له وحينما استضافته إحدى المذيعات بالتليفزيون المصرى وقالت له: أنت فنان قدير رد عليها بنبرة ألم وحزن وماذا افادتني الألقاب هل سأقوم بإطعام أبنائي بها وأنا بدون عمل.
واصيب بعدها بالجلطة التي ضاعفت من حالته الصحية وأثرت على حركته ولازال يعاني منها حتى اليوم.