عِلَاجُ الْمَشَاكِلِ الزَّوْجِيَّةِ وَالنُّشُوزِ
عِلَاجُ الْمَشَاكِلِ الزَّوْجِيَّةِ وَالنُّشُوزِ
بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى
مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
الْحَيَاةَ الزَّوْجِيَّةَ قَدْ تَعْتَرِيهَا بَعْضُ الْأُمُورِ الَّتِي قَدْ تَنَالُ مِنَ الصَّفَاءِ الْأُسَرِيِّ ؛ لِذَلِكَ نَجِدُ أَنَّ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ قَدْ وَضَعَ الْعِلَاجَ النَّاجِعَ لَهَا وَبَيَّنَ أَنَّ الْخَيْرَ كُلَّهُ فِي الصُّلْحِ وَالتَّوَافُقِ وَالتَّرَاضِي وَالْإِحْسَانِ حَيْثُ يَقُولُ سُبْحَانَهُ :
{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ ۚ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}
النُّشُوزُ
مَعْصِيَتُهَا إِيَّاهُ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهَا فَإِذَا ظَهَرَ مِنْهَا أَمَارَاتُهُ بِأَلَّا تُجِيبَهُ إِلَى الِاسْتِمْتَاعِ أَوْ تُجِيبُهُ مُتَبَرِّمَةً أَوْ مُتَكَرِّهَةً وَعَظَهَا .
وَالنُّشُوزُ يَكُونُ مِنَ الزَّوْجِ وَيَكُونُ مِنَ الزَّوْجَةِ قَالَ اللهُ تَعَالَى :
{وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ}
[النساء: 34]
وَقَالَ اللهُ تَعَالَى :
{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا}
[النساء: 128]
وَالنُّشُوزُ مَعْصِيَتُهَا إِيَّاهُ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهَا مِنْ حُقُوقِهِ فَهَذَا نُشُوزٌ ؛ لَكِنْ مَاذَا يَصْنَعُ مَعَهَا ؟
يَعِظُهَا وَالْمَوْعِظَةُ هِيَ التَّذْكِيرُ بِمَا يُرَغِّبُ أَوْ يُخَوِّفُ ، فَيَعِظُهَا بِذِكْرِ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْعِشْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ وَبِذِكْرِ الْأَحَادِيثِ الْمُحَذِّرَةِ مِنْ عِصْيَانِ الزَّوْجِ .
مِثْلَ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ :
إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ أَنْ تَجِيءَ لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ .
وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِن الْأَحَادِيثِ .
فَيَعِظُهَا أَوَّلًا .
والطَّرِيقُ السَّلِيمُ أَنْ يَعِظَهَا ، وَيُذَكِّرَهَا بِآيَاتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى تَنْقَادَ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنِ امْتَثَلَتْ وَعَادَتْ إِلَى الطَّاعَةِ فَهَذَا الْمَطْلُوبُ .
فَإِنْ أَصَرَّتْ هَجَرَهَا فِي الْمَضْجَعِ مَا شَاءَ أَيْ يَتْرُكُهَا فِي الْمَضْجَعِ مَا شَاءَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
{وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}
[النساء: 34]
وَهَذِهِ هِيَ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ وَتَرْكُهَا فِي الْمَضْجَعِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
الْأَوَّلُ
أَلَّا يَنَامَ فِي حُجْرَتِهَا وَهَذَا أَشَدُّ شَيْءٍ .
الثَّانِي
أَلَّا يَنَامَ عَلَى الْفِرَاشِ مَعَهَا وَهَذَا أَهْوَنُ مِنَ الْأَوَّلِ .
الثَّالِثُ
أَنْ يَنَامَ مَعَهَا فِي الْفِرَاشِ وَلَكِنْ يُلْقِيهَا ظَهْرَهُ وَلَا يُحَدِّثُهَا وَهَذَا أَهْوَنُهَا .
فَيَبْدَأُ بِالْأَهْوَنِ فَالْأَهْوَن .
فَإِذَا اسْتَقَامَتْ حِينَ هَجَرَهَا فَالْحَمْدُ للهِ وَعَلَيْهِ فَمَتَى اسْتَقَامَتْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَطْعُ الْهَجْرِ .
وَفِي الْكَلَامِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ .
أَيْ يَهْجُرُهَا فِي الْكَلَامِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا يَزِيدُ عَلَى هَذَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ :
لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ .
فَلَهُ أَنْ يَهْجُرَهَا يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَيَزُولُ الْهَجْرُ بِالسَّلَامِ .
فَإِنْ أَصَرَّتْ ضَرَبَهَا غَيْرَ مُبَرِّحٍ هَذِهِ الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ .
فَيَضْرِبُهَا ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى :
{وَاضْرِبُوهُنَّ}
فَيَضْرِبُهَا ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ .
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَضْرِبَهَا فِي الْوَجْهِ وَلَا فِي الْمَقَاتِلِ وَلَا فِيمَا هُوَ أَشَدُّ أَلَمًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ التَّأْدِيبُ .
فَإِنْ لَمْ يُفِدْ أَنَّهُ وَعَظَهَا ثُمَّ هَجَرَهَا ثُمَّ ضَرَبَهَا وَلَا فَائِدَةَ فَمَاذَا نَصْنَعُ ؟
قَالَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى :
{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُّرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}
[النساء: 35]
وَإِنْ عَلِمْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ شِقَاقًا وَمُخَالَفَةً بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ يُؤَدِّي إِلَى الْفِرَاقِ فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِمَا حَكَمًا عَدْلًا مِنْ أَهْلِ الزَّوْجِ وَحَكَمًا عَدْلًا مِنْ أَهْلِ الزَّوْجَةِ ؛ لِيَنْظُرَا فِي أَمْرِهِمَا وَيَحْكُمَا بِمَا يَرَيَانِهِ مَصْلَحَةً مِنَ الْجَمْعِ أَوِ التَّفْرِيقِ .
إِنْ يُرِدِ الزَّوْجَانِ إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا فَيَجْعَلُ كُلَّ قَلْبٍ يَلْتَقِي مَعَ الْآخَرِ إِنَّ اللهَ كَانَ مِنَ الْأَزَلِ إِلَى الْأَبَدِ عَلِيمًا عِلْمًا كَامِلًا شَامِلًا ، خَبِيرًا بِظَوَاهِرِ الْأَشْيَاءِ وَبَوَاطِنِهَا عِلْمَ حُضُورٍ وَشُهُودٍ وَتَدْبِيرِ .
فَصَارَتِ الْمَرَاتِبُ أَرْبَعًا :
وَعْظٌ ، هَجْرٌ ، ضَرْبٌ ، إِقَامَةُ الْحَكَمَيْنِ .
قَالَ تَعَالَى :
{وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}
[النساء: 34]
وَالزَّوْجَاتُ اللَّاتِي إِذَا ظَهَرَ مِنْهُنَّ بَوَادِرُ الْعِصْيَانِ فَانْصَحُوهُنَّ نُصْحًا مَقْرُونًا بِمَا يُثِيرُ الرَّغْبَةَ فِي دَوَامِ الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ ، وَالتَّخْوِيفِ مِنْ نَتَائِجِ التَّرَفُّعِ وَالْإِعْرَاضِ وَالْعِصْيَانِ .
فَإِنْ لَمْ يَنْزَعْنَ عَنْ ذَلِكَ بِالْقَوْلِ الْمُؤَثِّرِ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْفِرَاشِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ ، فَإِنْ لَمْ يَنْزَعْنَ بِالْهِجْرَانِ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ ، فَإِنْ رَجَعْنَ عَنْ تَمَرُّدِهِنَّ وَاسْتِعْصَائِهِنَّ إِلَى طَاعَتِكُمْ عِنْدَ هَذَا التَّأْدِيبِ فَلَا تَطْلُبُوا بَعْدَ طَاعَتِهِنَّ لَكُمْ طَرِيقًا مُسْتَعْلِيًا عَلَيْهِنَّ يَكُونُ لَكُمْ بِهِ عَلَيْهِنَّ تَسَلُّطٌ بِغَيْرِ حَقٍّ ؛ لِأَنَّ هَذَا ظُلْمٌ وَاسْتِعْمَالٌ لِسُلْطَةِ الْقِوَامَةِ فِي غَيْرِ مَا أَذِنَ اللهُ بِهِ .
إِنَّ اللهَ كَانَ مِنَ الْأَزَلِ إِلَى الْأَبَدِ عَلِيًّا كَبِيرًا لَهُ كَمَالُ الْعُلُوِّ وَكُلِّ غَايَاتِهِ وَهُوَ الْكَبِيرُ الَّذِي لَيْسَ فِي الْوُجُودِ كُلِّهِ مِثْلُ وَصْفِهِ بِالْكِبَرِ ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ أَعْلَى مِنْكُمْ سُلْطَانًا وَأَكْبَرُ قُدْرَةً ، فَإِذَا تَجَاوَزْتُمْ حُدُودَكُمْ فِيمَنْ جَعَلَ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَإِنَّ اللهَ أَقْدَرُ عَلَى عُقُوبَتِكُمْ وَسُلْطَانُهُ أَعْلَى مِنْ سُلْطَانِكُم .
عِلَاجُ نُشُوزِ الزَّوْجِ :
مَا الْحُكْمُ إِذَا خَافَتِ الزَّوْجَةُ نُشُوزَ زَوْجِهَا ؟
لِأَنَّهُ أَحْيَانًا يَكُونُ النُّشُوزُ مِنَ الزَّوْجِ يُعْرِضُ عَنْهَا وَلَا يُلَبِّي طَلَبَهَا الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَوْ يُلَبِّيهِ لَكِنْ بِتَكَرُّهٍ وَتَثَاقُلٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ .
قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا :
{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}
[النساء: 128]
وَإِنْ تَوَقَّعَتِ امْرَأَةٌ مِنْ زَوْجِهَا تَرَفُّعًا عَلَيْهَا أَوْ تَجَافِيًا عَنْهَا كَأَنْ يَمْنَعَهَا نَفْسَهُ وَنَفَقَتَهُ وَمَوَدَّتَهُ وَيُؤْذِيَهَا بِسَبٍّ أَوْ ضَرْبٍ أَوِ انْصَرَفَ عَنْهَا وَقَلَّلَ مُحَادَثَتَهَا وَمُؤَانَسَتَهَا فَلَا حَرَجَ عَلَى الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا بِتَسَامُحِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ بَعْضِ حَقِّهِ لِيَنَالَا خَيْرًا مِمَّا تَسَامَحَا فِيهِ .
وَيَكُونُ هَذَا الصُّلْحُ صُلْحًا نَفْسِيًّا تَتَلَاقَى فِيهِ الْقُلُوبُ وَتَصْفُو النُّفُوسُ وَالصُّلْحُ فِي ذَاتِهِ خَيْرٌ يَعُمُّ الطَّرَفَيْنِ .
وَإِقَامَةُ الزَّوْجَةِ بَعْدَ تَخْيِيرِ الزَّوْجِ لَهَا وَالْمُصَالَحَةُ عَلَى تَرْكِ بَعْضِ حَقِّهَا مِنَ الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ أَوْلَى وَأَفْضَلُ مِنَ الْفُرْقَةِ .
وَإِنْ تُحْسِنُوا أَيُّهَا الْأَزْوَاجُ الصُّحْبَةَ وَالْعِشْرَةَ وَتَتَّقُوا اللهَ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ فَلَا تَظْلِمُوهَا وَلَا تَجُورُوا عَلَيْهَا ؛ فَإِنَّ اللهَ كَانَ مِنَ الْأَزَلِ إِلَى الْأَبَدِ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمًا عِلْمًا تَامًّا شَامِلًا ، شَامِلًا لِكُلِّ ظَوَاهِرِ الْأَشْيَاءِ وَبَوَاطِنِهَا ، عِلْمَ حُضُورٍ وَشُهُودٍ وَتَدْبِيرٍ فَيُجَازِيكُمْ عَلَيْهِ .