“قصيدة الكلمة: تأملات في قوة اللفظ وثبات المبدأ”
"الكلمة في مسرحية الحسين ثائرا: رمز الشرف والعقيدة"
“عبد الرحمن الشرقاوي وقصيدة الكلمة: صوت الحق في وجه الطغيان”
كتب باهر رجب
لمحة عن المؤلف وعصره
عبد الرحمن الشرقاوي (1921-1987) هو أديب ومفكر مصري شهير، تميز بأسلوبه الأدبي الثوري ودفاعه عن العدالة الاجتماعية. تأثر بالحياة الريفية المصرية وكتب أعمالا خالدة مثل رواية “الأرض” ومسرحية “الحسين ثائرا” التي تضم قصيدة “الكلمة”. كان الشرقاوي منحازا للفقراء والمظلومين، وقد عبر عن ذلك من خلال أعماله التي مزجت بين الأدب والتاريخ والفكر الثوري. حصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1974 ووسام الآداب والفنون من الطبقة الأولى.
قصيدة “الكلمة” هي واحدة من أبرز الأعمال الأدبية للشاعر والكاتب المصري عبد الرحمن الشرقاوي، وهي جزء من مسرحيته الشعرية “الحسين ثائرا” التي تتناول سيرة الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) وثورته ضد الظلم. هذه القصيدة تعد تحفة أدبية تبرز قوة الكلمة ودورها في الحياة البشرية، حيث تجسد قيم الشرف، الدين، الحرية، والعدالة من خلال حوار درامي بين الإمام الحسين و الوالي الذي يطالبه بمبايعة يزيد بن معاوية. تظهر القصيدة كيف أن الكلمة قد تكون أداة للنور أو القبور، حسب السياق والنية التي تستخدم بها.
سياق القصيدة
القصيدة تأتي ضمن سياق درامي في مسرحية “الحسين ثائرا”، حيث يطالب الوالي (الوليد بن عتبة) (حاكم المدينة المنورة) الإمام الحسين بأن يقول كلمة واحدة فقط: “بايعت”، ليعلن ولاءه ليزيد بن معاوية، وهو ما يعني الخضوع لسلطة يراها الحسين ظالمة. لكن الحسين (حفيد النبي محمد صلى الله عليه وسلم).يرفض هذا الطلب، مؤكدا أن الكلمة ليست مجرد لفظ عابر، بل هي رمز للعقيدة، الشرف، والمبدأ. من هنا، تبدأ القصيدة كحوار شعري يبرز عظمة الكلمة وتأثيرها في الحياة الإنسانية.
النص الكامل لقصيدة الكلمة
فيما يلي النص الكامل للقصيدة كما وردت في المسرحية:
الوليد:
نحن لا نطلب إلا كلمة
فلتقل: بايعت.. واذهب بسلام لجموع الفقراء
فلتقلها واذهب يا ابن رسول الله حقنا للدماء
فلتقلها.. ما أيسرها، إن هي إلا كلمة
الحسين: (منتقضا)
وهل البيعة إلا كلمة؟
ما دين المرء سوى كلمة
ما شرف الرجل سوى كلمة
ما شرف الله سوى كلمة
ابن مروان: (بغلظة) فقل الكلمة واذهب عنا
الحسين
أتعرف ما معنى الكلمة…؟
مفتاح الجنة في كلمة
دخول النار على كلمة
وقضاء الله هو الكلمة
الكلمة لو تعرف حرمة
زاد مذخور
الكلمة نور
وبعض الكلمات قبور
بعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشرى
الكلمة فرقان بين نبي وبغى
بالكلمة تنكشف الغمة
الكلمة نور
ودليل تتبعه الأمة
عيسى ما كان سوى كلمة
أضاء الدنيا بالكلمات وعلمها للصيادين
فساروا يهدون العالم!
الكلمة زلزلت الظالم
الكلمة حصن الحرية
إن الكلمة مسئولية
إن الرجل هو الكلمة
شرف الرجل هو الكلمة
شرف الله هو الكلمة
ابن الحكم: وإذن؟!
الحسين: لا رد لدى لمن لا يعرف ما معنى شرف الكلمة
الوليد: قد بايع كل الناس يزيدا
إلا أنت.. فبايعه
الحسين: ولو وضعوا بيدي الشمس..!
ابن مروان: فلتقتله.. اقتله بقول الله تعالى..
أقتله بقول رسول الله
فيمن خرج عن الإجماع
الحسين: أتقتلني يا ابن الزرقاء بقولة جدي فيمن نافق؟
أتزيف في كلمات رسول الله أمامي يا أحمق
أتقتلني يا شر الخلق؟
أتؤول في كلمات الله لتجعلها سوط عذاب
تشرعه فوق امرئ صدق؟
تحليل القصيدة
1. البنية الفنية
– البناء الدرامي:
القصيدة تأتي في شكل حوار شعري بين الوليد والحسين، مما يعزز الطابع الدرامي ويجعلها أكثر تأثيرا. الحوار يبدأ بطلب الوالي البسيط ظاهريا (كلمة واحدة)، لكن رد الحسين يكشف عن عمق الكلمة وأهميتها.
– التكرار:
استخدم الشرقاوي أسلوب التكرار (تكرار كلمة “الكلمة”) للتأكيد على أهميتها وتنوع دلالاتها. هذا التكرار يخلق إيقاعا موسيقيا يعزز من قوة النص.
– الإيجاز و التكثيف:
الأبيات قصيرة و موجزة، لكنها تحمل معاني عميقة، مما يجعل النص قويا و مؤثرا.
– الصور البلاغية:
القصيدة غنية بالصور البلاغية، مثل الاستعارة في “الكلمة نور” و”بعض الكلمات قبور”، حيث تشبه الكلمة بمصادر الضوء أو الظلام، مما يعكس تأثيرها الإيجابي أو السلبي.
– تستخدم القصيدة شعر التفعيلة (الشعر الحر) الذي كان الشرقاوي من رواده.
– تجمع بين الأسلوب المسرحي الحواري والشعر الملحمي.
– تعتمد على التكرار لإبراز أهمية الكلمة (ذكرت “كلمة” 28 مرة في النص).
2. المضمون والفكرة الرئيسية
القصيدة تركز على قوة الكلمة كأداة للتغيير، سواء للخير أو للشر. فالكلمة قد تكون مفتاحا للجنة أو مدخلا للنار، قد تبني الأمم أو تدمرها، وهي تعكس هوية الإنسان، دينه، وشرفه. الإمام الحسين في القصيدة يرفض أن ينطق بكلمة البيعة لأنها ستكون خيانة لمبادئه وقيمه، مما يبرز فكرة الثبات على المبدأ حتى لو كان الثمن باهظا.
3. الدلالات والرموز
– الكلمة كرمز للمبدأ:
الكلمة هنا ليست مجرد لفظ، بل هي رمز للعقيدة والشرف. رفض الحسين لقول “بايعت” يعكس تمسكه بمبادئ العدالة والحرية.الكلمة تمثل الموقف الأخلاقي والالتزام بالمبادئ.
– الثنائية (النور والقبور):
الشرقاوي يستخدم الثنائية لإبراز التناقض بين الكلمة الصادقة التي تنير الطريق، والكلمة الكاذبة التي تؤدي إلى الهلاك.
– الدين والأخلاق:
القصيدة تؤكد على الارتباط بين الكلمة والدين، حيث تظهر كيف أن الكلمة تحمل مسؤولية أخلاقية ودينية عظيمة.
– البيعة:
ترمز إلى الخيار بين الاستسلام والثورة.
– الشمس :
ترمز إلى استحالة التنازل عن المبادئ
4. الأهمية التاريخية والثقافية
– السياق التاريخي:
القصيدة تعبر عن موقف الإمام الحسين في مواجهة الظلم، وهو موقف يعتبر رمزا للثورة ضد الطغيان في التاريخ الإسلامي. كما أن المسرحية التي تضم القصيدة منعت في مصر خلال السبعينيات بسبب حساسية موضوعها الديني والسياسي، مما يعكس تأثيرها الاجتماعي والسياسي.
– القيمة الأدبية:
القصيدة تعد نموذجا للشعر الحر الذي يمزج بين الإيقاع التقليدي والتعبير الحديث، وهي تعكس التزام الشرقاوي بالقضايا الاجتماعية والإسلامية.
5. الأبعاد الفلسفية والدينية:
– قدسية الكلمة:
يربط الشرقاوي بين الكلمة والإيمان (“مفتاح الجنة في كلمة”).
– المسؤولية الأخلاقية:
“إن الكلمة مسئولية” تعبر عن التزام الإنسان بحقيقة أقواله.
– الثورة على الظلم:
“الكلمة زلزلت الظالم” تبرز قوة الكلمة في مواجهة الطغاة
6. تأثير القصيدة
– القصيدة حظيت بشعبية كبيرة بسبب قوتها التعبيرية ومعانيها العميقة، وقد ساهمت في نشرها أعمال فنية مثل الأداء المسرحي والتلفزيوني، حيث استخدمها ممثلون مثل عبد الله غيث ومحمود ياسين وكرم مطاوع وأحمد العوضى في حوارات تلفزيونية، مما زاد من رواجها.
– تعتبر القصيدة مصدر إلهام للأجيال، حيث تبرز قيمة الكلمة الصادقة في مواجهة الظلم والكذب، و تشجع على التمسك بالمبادئ حتى في أصعب الظروف.
خاتمة
علاوة على ذلك قصيدة “الكلمة” لعبد الرحمن الشرقاوي هي عمل أدبي خالد يجسد قوة الكلمة وتأثيرها في الحياة البشرية. من خلال حوار الإمام الحسين مع الوالي الذى يريد المبياعه لابنه بالملك سواء بذهب المعز أو بسيفه اى توريث الملك، كما يظهر الشرقاوي أن الكلمة ليست مجرد صوت، بل هي تعبير عن الدين، الشرف، والمبدأ و تغيير المصير والفناء. علاوة على ذلك القصيدة تجمع بين العمق الفكري، الجمال الأدبي، والقيمة الأخلاقية، مما جعلها رمزا للثبات على الحق في وجه الظلم. إنها دعوة للتأمل في قوة الكلمة و مسؤوليتها، سواء كانت نورا يضيء الطريق أو قبرا يهلك صاحبه. و الصراع الأبدي بين السلطة والحرية.
كما يقول الشرقاوي في القصيدة: “إن الرجل هو الكلمة، شرف الرجل هو الكلمة، شرف الله هو الكلمة”، مما يجعل هذه القصيدة تراثا إنسانيا خالدا يتجاوز حدوده الزمانية والمكانية.
لقد نجح الشرقاوي في تحويل الحوار التاريخي بين الحسين والوليد إلى ملحمة شعرية تطرح أسئلة وجودية حول السلطة والحرية والمسؤولية الأخلاقية، مما جعل هذه القصيدة من أهم الأعمال الأدبية العربية في القرن العشرين.