اسطورة مصرية بقلم / غادة العليمى
رحلة من المجد والامل والالم عاشها لورانس العرب فقد بدأ وجه سينمائيا وسيما وانطلق بسرعة الصاروخ الى فضاء النجوميه والعالميه وتمام الشهرة والالقاب والاعجاب
وانتهى به الحال رجل وحيد مصاب بالزهايمر والاكتئاب وبعد رحيل أحبابه وأصدقائه ونهاية عصره.
عفت نفسه عن الطعام والشراب وأصبح يعيش على المحاليل الطبية، وأيامه الأخيرة في مصر، التي أصر على العودة إليها ليموت ويُدفن فيها بعد عمر طويل من الغربة، وسنواته الأخيرة، التي شهدت اكتئابه وزهده في متع الدنيا بعد رحيل صديق عمره الفنان أحمد رمزي في 28 سبتمبر 2012، قبل أن تأتي وفاة حب حياته الوحيد، الكبيرة فاتن حمامة، في يناير ٢٠١٥، لتقضي عليه تماما، حيث لم يستمر في الحياة بعدها سوى ستة أشهر فقط.
لكنه عاش فنان كبير له دور رئيسي في صناعة السينما المصرية خلال النهضة الثقافية والفنية الكبرى التي شهدتها مصر في أعقاب ثورة 23 يوليو 1952، وله دور بارز في صناعة السينما العالمية، ليس فقط في هوليوود، ولكن أيضا في العديد من الدول الأوروبية، حيث شارك في بطولة العديد من الأفلام بالعديد من اللغات.
بعيدا عن مدعي تجاوز الحدود وتحقيق شهرة دولية لمجرد مشاركتهم بأدوار صغيرة في أفلام أجنبية، أو لمجرد مرورهم أمام كاميرا مخرج خواجة، عمر الشريف هو الممثل المصري والعربي الوحيد الذي حقق العالمية الحقيقية، ووقف أمام نجوم أسطوريين صاروا فيما بعد أصدقاء شخصيين له، ومن بينهم بيتر أوتول وصوفيا لورين وبربارا سترايساند.
وهو الممثل المصري والعربي الوحيد الذي نال جوائز دولية “حقيقية” .. فقد وصل لقائمة الخمسة الأخيرة لترشيحات أوسكار أفضل ممثل في دور مساعد عام 1963 عن فيلم “لورانس العرب”، وفاز بثلاث من جوائز “الكرة الذهبية” الأمريكية: الأولى عن نفس الفيلم، والثانية كأحسن نجم صاعد عام 1963، والثالثة كأفضل ممثل في فيلم درامي عام 1966 عن فيلم “الدكتور زيفاجو”.. كما فاز بالأوسكار الفرنسي (سيزار) عام 2004 كأفضل ممثل عن فيلم “السيد إبراهيم وزهور القرآن”، وحصل على أسد فينيسيا الذهبي عن مجمل أعماله عام 2003.
أما أكبر تكريم دولي له ولمصر معه، فكان حصوله – في نوفمبر 2005 – على ميدالية “سيرجي آيزنشتاين” من منظمة اليونسكو تقديرا لإسهاماته البارزة في إثراء صناعة الأفلام والتنوع الثقافي حول العالم.. وهي تحمل اسم المخرج الروسي الكبير آيزنشتاين، وتم الاتفاق بين اليونسكو وستوديو “موسفيلم” الروسي الشهير على أن تُمنح في أضيق نطاق، ولم تحصل عليها سوى 25 شخصية دولية فقط.
ومقابل هذا الاحتفاء الدولي، عانى من تجاهله في مصر لمصلحة بعض النجوم الذين نصبوا أنفسهم زعماء للفن وغيره.. صحيح أنه تم تكريمه في بعض المهرجانات السينمائية المصرية، لكنه لم يحصل على ما يستحق من تقدير رسمي من قبل الدولة.
ومنذ أن غادر مصر للعمل في هوليوود عام 1962 وحتى سنوات قليلة قريبة – في “عالميته”، وقال البعض إنه أصبح يشحذ الأدوار الثانوية بعد أن كان نجما.. وبعد أن عاد وعمل في الأفلام المصرية مجددا، أحاطته الشائعات من نوع أنه “يهودي صهيوني” أو “سكير” أو “مدمن قمار”.
وبدا أن أحدا في مصر لا يدرك أن ميشيل ديمتري شلهوب، المولود مسيحيا في الإسكندرية يوم 10 أبريل 1932 لأبوين من أصل لبناني من طائفة الروم الكاثوليك، والذي اعتنق الإسلام عام 1955 ليتزوج حمامة،
وتوفي في القاهرة عن 83 عاما، جزء أصيل من الحركة الوطنية التي انطلقت في كل المجالات بعد ثورة يوليو لتعيد بناء مصر وترسم ملامح شخصيتها التي ما زالت تحملها حتى اليوم.
وبعد إعلان إصابته بالزهايمر، اهتم العالم كله، وحزن العالم كله،
انضم عمر الشريف لقائمة من يموتون بأجسادهم فقط ويبقون أحياء بأعمالهم إلى الأبد. مات وسيظل محتفظا بعرش النجومية الذي تربع عليه 61 عاما متصلة منذ أن قدم أول أفلامه “صراع في الوادي” عام 1954، وسيظل محتفظا أيضا بسحر عينيه الواسعتين ونظراته الطيبة الآسرة.. وسيظل الاسطورة المصرية صاحب المكان والمكانه التى لم يشغلها احد من قبله ولم ينالها احد من بعده وستبقى ذكراه التى تمر علينا اليوم تاريخ لا ينسي فى ذاكرة كل مصرى وكل عربى سواء المهتمين بالفن او ممن لا يهتمون به