مراد منير: أنا ساحر القبيلة… و يوسف المنصور يعلن التمرّد على الكلاسيكيات
كتبت: ريهام طارق
في لحظة مسرحية استثنائية ضمن فعاليات الدورة الثامنة عشرة من المهرجان القومي للمسرح المصري، وتحت مظلة محور “وصلة” المعني بمدّ الجسور بين الأجيال المسرحية، شهدت القاعة واحدة من أهم لحظات التلاقي الفكري والفني بين رمزين من رموز الإخراج المسرحي في مصر.
فقد اجتمع المخرج الكبير مراد منير، صاحب البصمة الأصيلة والتجربة الراسخة، بـ المخرج الشاب يوسف المنصور، الذي يمثل ملامح تيار تجريبي متجدد، في حوار أداره الناقد المسرحي محمد علام، بحضور عدد من الفنانين المسرحيين الشباب والإعلاميين، في مقدمتهم الفنان محمد رياض، رئيس المهرجان، والمخرج الدكتور عادل عبده، مدير المهرجان.
هذا اللقاء لم يكن مجرد حوار عابر بين جيلين، بل شكل محطة تحليلية موثقة، تعكس تحولات المشهد المسرحي المصري، و تعيد صياغة العلاقة بين التجربة المتجذرة والرؤية المعاصرة، في محاولة لصناعة نموذج تفاعلي قادر على توجيه البوصلة الفنية نحو أفق أكثر وعيا و انفتاحًا.

المسرح بين الامتلاء الروحي والبصيرة البصرية:
استعرض المخرج يوسف المنصور ملامح نشأته وتكوينه الفني، مشيرًا إلى جذوره في محافظة الشرقية، وتحديدًا مركز منيا القمح، حيث كان للبيئة الشعبية والتراث المحلي أثر بالغ في تشكيل وعيه الفني المبكر.
وأوضح المنصور أنه منذ الطفولة كان مفتونًا بسينما يوسف شاهين، ما زرع داخله شغفًا بالصورة والدراما، ورغم التحاقه في البداية بكلية الهندسة، فإن شغفه بالمسرح تبلور خلال سنوات الجامعة، قبل أن ينتقل إلى حي السيدة زينب بالقاهرة، حيث انفتح على بيئة تراثية مختلفة عمّقت من رؤيته الجمالية، وذادت من مخزونه الفني ومع تراكم هذه التجارب، قرر التفرغ الكامل للفن المسرحي، فالتحق بـالمعهد العالي للفنون المسرحية، ليبدأ رحلته الاحترافية.
يوسف المنصور: لا اختار النصوص.. هي من تختارني
صرح المخرج يوسف المنصور مؤكدا أنه لا يختار النصوص، بل “هي من تختارني”، وهي عبارة تختزل جوهر العملية الإبداعية لديه لتؤكد أنها علاقة روحية قبل أن تكون تحليلا عقلاني.
ومن بين أبرز محطات يوسف المنصور الإخراجية، التي أشار إليها هي تاثره بعرض “الملك هو الملك”، التي وصفها بأنها الأقرب إلى قلبه، لما تحمله من خصوصية فنية، كما كشف عن فلسفته الإخراجية في التعامل مع العرض المسرحي، معتبرًا إياه بمثابة “لوحة تشكيلية حية” يتفاعل معها من منظور بصري وروحي، بعيدًا عن القيود المنهجية الصارمة أو الأسئلة النقدية المباشرة، مؤمنًا بأن الإحساس هو البوابة الأولى لخلق تجربة مسرحية مؤثرة.

مراد منير: “أنا ساحر القبيلة”
على الجانب الآخر، قدّم المخرج مراد منير درسًا متكاملًا في الصدق المسرحي حين قال: “أنا ساحر القبيلة”, لم يكن يستعرض مصطلحًا شاعريًا بقدر ما كان يؤصّل لفلسفة مسرحية ترى في المخرج قائدًا للطقس الجمعي، يستحضر المخزون التراثي و الرمزي، ويُعيد تشكيله بلغة العصر.
المخرج مراد منير، الذي تأثر بكُتاب كبار من أمثال نجيب سرور، لا يرى في المسرح مجرد وسيلة فنية، بل يري منصة تتيح للمبدع أن يتجلى، ومقولته: “إما أن أكون مخرجًا مهمًا، أو لا أكون”, تعكس الإيمان الكامل برسالة المسرح كقيمة حضارية، لا كمنتج فني فحسب.
ما يميز تجربة مراد منير هو ما يمكن تسميته بـ”الخلطة المسرحية ذات المرجعية الثقافية”، حيث يدمج الشعر والموسيقى والرؤية الفلسفية في بناء العرض، كما فعل في “الملك هو الملك”، ليحوّل العرض إلى مساحة إحياء وتجديد للذاكرة الجمعية، لا مجرد مشاهدة.
وصلة… لاجتياز المسافة بين الأصالة والمعاصرة
هذا اللقاء شكل حالة نقدية إبداعية نادرة، تؤسس لما يشبه “منهاجًا فكريًا” في كيفية تلقي المخرجين لأعمالهم، وكيفية تفاعلهم مع النص، لا بوصفه مادة جامدة، بل بوصفه مفجّرًا للذات الفنية، واستراتيجية ثقافية لإعادة ربط الأجيال المسرحية، ومنع القطيعة بين من أسسوا و ألهموا، ومن جاءوا يبادروا و يكملوا الطريق.
الرسالة التي وجهها مراد منير لشباب المسرحيين حملت جوهرًا تربويا ونقديًا عميقا حيث نصح الشباب وقال: “اقرأوا كثيرًا، واطلعوا على علم النفس، والتاريخ، والفنون البصرية… المخرج لا يصنع المسرح من ورق، بل من وعي وتكوين فكري متكامل”.
وهي دعوة صريحة للارتقاء بالمخرج من منفذ تقني إلى مثقف كليّ قادر على الدفاع عن الهوية المسرحية المصرية، وسط محاولات التغريب والتفريغ.
نبذة عن الكاتبة:
ريهام طارق صحافية مصرية متخصصة في الاخبار الفنية والثقافية، تتمتع بخبرة مهنية عريضة تمتد على مدار سنوات من التغطية الاحترافية للوسط الفني العربي أجرت حوارات صحفية مع نخبة من أبرز نجوم الغناء والتمثيل في العالم العربي، وتتميّز كتاباتها بالجمع بين الرصانة المهنية والطرح التحليلي العميق، تشغل حاليًا منصب مدير قسم الفن بجريدة “أسرار المشاهير”، إحدى المنصات الإعلامية الرائدة في تغطية الأخبار الفنية والثقافية في العالم العربي.
بدأت مسيرتها الصحفية من المملكة العربية السعودية من خلال جريدة “إبداع”، ثم واصلت تألقها المهني عبر التعاون مع مؤسسات إعلامية مرموقة على مستوى الوطن العربي، من بينها جريدة “الثائر” اللبنانية، وجريدة “النهار” المغربية، إلى جانب مجلة النهار الفنية في العراق.
وعلى الرغم من تخصصها في الصحافة الفنية، فإن ريهام طارق تميزت بقدرتها على الدمج بين الحس الثقافي والوعي السياسي، إذ كتبت أيضًا مقالات تحليلية رصينة في مجالات السياسة الدولية، وسوق المال، والبورصات العالمية، ما يعكس أفقها المعرفي المتنوع وثقافتها.
كما تولت منصب عضوا اللجنة الإعلامية للمهرجان القومي للمسرح المصري، تقديرًا لإسهاماتها في دعم الحركة المسرحية والفنية، ورؤيتها المهنية الهادفة إلى الارتقاء بالإعلام الثقافي في مصر والعالم العربي.