نجلاء فتح الله تكتب : “كسور المرايا ” سرد لرحلة إكتشاف الذات مع متعة القراءة

أحيانًا نجد في حياتنا ما يستحق الإهتمام والإستمتاع … فهناك كتاب عندما يكتبون نجد المتعة أن نقرأ كتاباتهم ، ومن المطربين من يغنى فنجد أنفسنا نستمتع بطربه ، ومن الممثلين عندما يمثل نتوحد مع شخصياتهم التى يؤدونها

“كسور المرايا ” كتاب يأخذنا لتلك الحالة من الإستمتاع ..وهو أحدث إصدارات دار ميريت للكاتب المصري ” أحمد غريب ” وهى ليست مجرد رواية يسرد فيها الكاتب حكاياه مع الغربة والهجرة مرتين احداهما قريبة لدبي والأخرى البعيدة لكندا حيث يقيم الآن.. ولكنها رؤيا لكاتب يرصد ونرصد من خلاله تحولات سياسية صاحبتها وكالعادة تحولات مجتمعية قد تختلف من مجتمع لآخر لكن يظل الإنسان هو بطلها الأوحد
المرآة تعكس الضوء والحقيقة من حولنا ،فهل تتغير ذواتنا إذا نظرنا في مرايا مكسورة ؟
تساؤل طرحه الكاتب عن علاقة المرايا بذواتنا وأساطير نسجت عنها قد نصدق بعضها وقد نسخر منها أحيانًا، وربط بينه وبينها عندما حاول أثناء طفولته ان ينظر لنفسه في المرآة علي ضوء شمعة فلحقته جدته لتبعد عنه خطر فعل ذلك متماهية مع أساطير سكنت عقولنا قديمًا عن الفأل الحسن والجيد وتتنبأ له الجدة بالسفر لأمريكا كما إخبرها العراف الذي طالما وثقت في كلامه وهو فعلًا ما تم بعد ذلك بسنوات طويلة..لتلهيه رحلته عن نبوءة العراف التى نقلتها له الجدة وعن المرايا الي أن يعود لها مجددًا محاولًا اكتشاف نفسه بعد سن الإربعين في محاولة لإكتشاف الذات متأملا كل ما مر به أثناء رحلته من مرحلة العنفوان _وهى اسم مجموعته القصصية الأولي التى صدرت في التسعينات من القرن العشرين _ إلي مرحلة النضج وانتظار الصفر وهى الدرجة المئوية التى كانت تحمل له الدفئ بعد ان وصلت درجة الحرارة الي ٤٠ تحت الصفر هناك في الطرف الآخر من الكرة الأرضية في ” أونتاريو ” بكندا حيث رست به رحلة الحياة التى لم تكن اختيارية وإنما قدرية … عائدًا بذاكرته لشمس وطنه مصر والتى يشتاق لها ولم يزرها بعد الهجرة إلا مرات عديدة قليلة
يسرد الشاعر مشاعر غربته التى يشعر بها في مهجره لكنه في الوقت نفسه اعتاد العيش في تلك البلدة الجميلة وذلك الحى الذي يشبه حى الزمالك بالقاهرة ..يسرد علاقة أهل هذا البلد بسكانه الأصليين ومعاملتهم العنصرية لهم بعد احتلال بلادهم لتسود ثقافتهم المختلطة علي ثقافة وحق أهل البلد الأصليين من الهنود الحمر وربطه بينهم وبين الفلسطينيين الذين يعانون الأمر نفسه لكنهم لايزالون يقاومون وصامدون وهو الشعور المرتبك الذي طالما لازمه عن الفلسطينيين وتمثل في علاقته مع السيدة الجنوب أفريقية التى هاجرت مع يهود مثلها الي إسرائيل ولم تستطع العيش فيها لتهاجر مرة أخري الي كندا ولتتشابه معه في الأصول الأفريقية وبالهجرة مرتين آيضا لتصبح جارته في نفس الحى البورجوازي الذي يعطي ساكنيه اصواتهم الانتخابية لليسار في مفارقة غريبة وتتصدر المشهد في شوارع ذلك الحي ومقاهيه صوت جون لينون بأغنيته “ imagine “
وهى الأغنية التى يعتبرها الكاتب مانيفستو اشتراكي شيوعى!
يستمر السرد وينقلنا الكاتب لحالة أخرى من الوجع عندما يعمل مع اللاجئين الهاربين من جحيم أوضاع بلدانهم العربية إلي كندا بعضهم يحمل الأمل مع كثير من الألم والأخر لا يحمل سوى الألم مثل “المترجم الروسي ” ..الرجل ضخم البنية أشيب الشعر الذي تخطي الخمسون عاما بقليل وكان يعمل مترجما للغة الروسية في الجيش العراقي وفي وضع إجتماعى ومالي فوق الجيد ليجد نفسه فجأة لاجئا لإحدي دول أمريكا الشمالية وهى التى ساهم حكامها في تدمير بلاده ذات الحضارة العريقة والتاريخ ليهرب من جحيمهم إليهم وهم الدولة اللقيطة التى بنت مجدها علي إبادة شعب ذو حضارة يشبه شعبهم
وتلك إحدي مفارقات الحياة العجيبة التى نعيشها حاليا ومنذ فترة في محاولة لإعادة رسم خريطة العالم وتشكيلها من جديد بأيدي قوة واحدة لا نزال نراها هي الحلم الذي نسعى إليه رغم أنه حلم زائف !
‘ كسور المرايا ” كتاب يستحق القراءة ..وأعدك عزيزي القارئ بأنك ستستعيد معه متعة القراءة

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.