نهاية عام .. كيف ندرك أعمارنا ونتعامل مع من وقف معنا ومن تخلي عنا ؟!

نهاية عام .. مع اقتراب نهاية كل عام ، يواجه الإنسان لحظة خاصة تتجاوز معناها الحسابات الزمنية المعتادة، فهذه المحطة ليست مجرد انتقال من سنة إلى أخرى، بل حالة إدراكية ترتبط بعمق بوعي الإنسان بذاته، وبقدرته على قراءة التحولات التي مر بها طوال العام.

 

بقلم : ليليان خليل

تأثير الزمن على الإنسان

وفي هذه اللحظة، يصبح الزمن أشبه بمرآة كبيرة نرى فيها انعكاسا صادقا لما كنا عليه، وما أصبحنا عليه، وما نطمح أن نكونه مستقبلًا.

يدرك الإنسان عمره بطريقتين

الأولى زمني بيولوجي متصل بحركة الزمن الثابتة التي لا تتباطأ ولا تتسارع. هذا الزمن يقاس بالسنوات التي نحتفل بها في أعياد الميلاد، وبالأعمار التي تسجل في الأوراق الرسمية.

أما الثانية فهو إدراكي نفسي، يتشكل وفق الخبرات المتراكمة، والمواقف التي تغيرنا، والذكريات التي ترسخ أو تبهت. وفي نهاية العام، تتداخل الطريقتين بقوة .

ويبقى السؤال الأقوى حضورا:

هل نحن الذين نتقدم في العمر، أم أن السنوات هي التي تمر سريعا؟

تسارع الزمن الذي يشعر به الإنسان في مراحله الناضجة ليس مجرد انطباع نفسي، بل نتيجة واضحة لتراكم المسؤوليات، ووجود الخبرة، واتساع مساحة الانشغالات اليومية. فكلما امتلأت الحياة بتفاصيل كثيرة، بدأ الزمن وكأنه يركض بلا توقف. وعلى العكس، في سنوات الطفولة والشباب المبكر، كانت الأيام تبدو أطول لأن التجارب كانت أقل، والحياة كانت أكثر بساطة، والزمن كان يقاس بالانتظار والحماس لا بالضغوط.

محطة نهاية السنة تكشف أيضا عن بعد آخر مهم: إعادة تقييم الذات.

فالإنسان يعود فيها إلى نفسه ليطرح أسئلة مصيرية كثيرة :

ماذا حققت؟

ماذا فقدت؟

كيف تغيرت؟

ومن بقي بجانبي طوال هذه الرحلة؟

ومن تركنى وسط الطريق ؟

هذه الأسئلة لا تهدف إلى جلد الذات، بل إلى فهمها بعمق أكبر. فالفرد يكتشف في نهاية كل عام أنه لا يكبر فقط بالعمر، بل يكبر بالوعي؛ بالنضج الذي اكتسبه، وبالصلابة التي تعلمها من الأزمات، وبالمرونة التي طورها في مواجهة المفاجآت.

كما تتحول نهاية العام إلى فرصة نادرة لإعادة تنظيم علاقتنا بالزمن. فهي لحظة يمكن فيها للإنسان أن يضع حدا لما أثقله، وأن يستغني عما استنزفه، وأن يمنح نفسه مساحة جديدة لبدء عام مختلف.

إن إدراك العمر هنا يتحول إلى مفهوم وجودي يرتبط بكيفية فهم الإنسان لحياته لا بعدد السنوات التي عاشها.

وما يجعل هذه المحطة مؤثرة هو أنها تجمع بين الشعور بالخسارة والشعور بالأمل في وقت واحد. فالإنسان ينظر إلى العام المنتهى باعتباره فصلا أغلق، لكنه يحمل في الوقت نفسه يقينا بأن بداية العام الجديد قد تكون فرصة لنمو داخلي أكبر، وأفق أوسع للحياة، ومساحة جديدة للتجدد.

فيصبح الزمن مرآة تكشف لنا حقيقتنا، لا أعمارنا.

تكشف ما اكتسبناه من حكمة، وما خسرناه من أوهام، وما تعلمناه من تجارب.

فالسنوات لا تمر عبثا… بل تمر لتمنحنا قوة ووعيا،ونضجا يجعلنا نرى الطريق بوضوح أكبر، ونواصل الرحلة بثبات أكبر.

فعند محطات نهاية السنة، لا نكتفي بإدراك أعمارنا، بل ندرك ذواتنا العميقة، ونفهم كيف نبني علاقتنا مع الزمن بما يجعلنا أكثر نضجا، وأقرب إلى الحقيقة، وأكثر استعدادا لما هو قادم.

ونأمل أن يكون العام الجديد بداية لأمل جديد وفكر مشرق جديد .

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.