وداعا حارس الذاكرة المسرحية.. رحيل عمرو دوارة يطفئ شمعة أخرى من مشعل الثقافة
فقدان ناقد ومؤرخ كبير: الدكتور عمرو دوارة رمز المسرح المصري
في يوم الخميس الموافق التاسع من أكتوبر 2025، فقد المسرح المصري أحد أعمدته الكبرى، الناقد والمؤرخ والمخرج الدكتور عمرو دوارة، الذي رحل تاركا وراءه إرثا ثقافيا و فنيا عظيما سيظل محفورا في ذاكرة الفن المصري. وفي كلمات مؤثرة، نعى المخرج خالد جلال، رئيس قطاع المسرح، الفقيد الكبير، معبرا عن عميق الحزن لفقدان شخصية استثنائية ساهمت بجهودها الجبارة في توثيق تاريخ المسرح المصري، ودعم المواهب، و إثراء الحركة المسرحية بأعمال إبداعية ونقدية متميزة.
وصف خالد جلال الدكتور عمرو دوارة بأنه “مخرج وناقد ومؤرخ عظيم”، مشيرا إلى دوره الريادي في الحفاظ على تراث المسرح المصري من خلال أعماله التي جمعت بين الإخراج المسرحي والنقد الفني والتوثيق التاريخي. وأكد جلال أن دوارة لم يكتفِ بتقديم أعمال مسرحية متميزة على مسارح الدولة، بل امتدت جهوده لتشمل دعم المواهب الهواة، مما جعله أحد أبرز الداعمين للحركة المسرحية في مصر. واختتم جلال نعيه بدعوات خالصة بأن يتغمد الله الفقيد بواسع رحمته ويلهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان.
مسيرة حافلة بالإبداع والعطاء
يعد الدكتور عمرو دوارة و احدا من أبرز الشخصيات التي تركت بصمة واضحة في المسرح المصري، حيث أخرج خلال مسيرته الفنية خمسة وستين عرضا مسرحيا، نصفهم تقريبا على مسارح الدولة، بينما كرس النصف الآخر لدعم تجمعات الهواة، مما يعكس التزامه العميق بتوسيع دائرة الفن المسرحي و إتاحته لشرائح مختلفة من المجتمع. كما عمل كمخرج منفذ إلى جانب أستاذه الكبير كرم مطاوع بفرقة المسرح القومي، حيث اكتسب خبرات فنية عميقة أثرت في أسلوبه الإخراجي.
لم تقتصر إسهامات دوارة على الإخراج المسرحي، بل امتدت إلى النقد والتوثيق. فقد كتب أكثر من ألف مقال ودراسة نقدية، تناولت قضايا المسرح المصري بعمق وتحليل، مما جعله واحدا من أبرز النقاد الذين ساهموا في صياغة رؤية نقدية متكاملة للحركة المسرحية. ولم يكتف بذلك، بل أصدر أكثر من خمسة وثلاثين كتابا تناولت تاريخ المسرح المصري وتحليل أعماله، مما عزز مكانته كمؤرخ بارز في هذا المجال.
إرث توثيقي لا يضاهى
من أبرز إسهامات الدكتور عمرو دوارة في مجال التوثيق، إصداره لـ”موسوعة المسرح المصري المصورة”، وهي عمل ضخم يوثق تاريخ المسرح المصري بأسلوب بصري و تحليلي متميز. كما أعد ووثق موسوعة “سيدات المسرح المصري”، التي تضم أسماء ألف وخمسمائة سيدة ساهمن في الحركة المسرحية منذ بدايات المسرح المصري الحديث عام 1870. هذه الموسوعة لم تكتف بتسجيل الأسماء، بل قدمت السيرة الذاتية والمسيرة المسرحية لمئة وخمسين سيدة منهن، مع تسليط الضوء على تنوع المناهج والاتجاهات الفنية التي قدمنها، مما يبرز دور المرأة في تطور المسرح المصري.
مبادرات ريادية للحفاظ على الهوية المسرحية
لم يكن عمرو دوارة مجرد مخرج وناقد، بل كان صاحب رؤية ثقافية طموحة. فقد أسس العديد من الفرق المسرحية المهمة التي ساهمت في تنشيط الحركة المسرحية، كما قدم مبادرات ريادية عززت من مكانة المسرح المصري. من بين هذه المبادرات، دعوته إلى الاحتفال بمرور مئة وخمسين عاما على تأسيس المسرح المصري الحديث، الذي بدأ بريادة يعقوب صنوع عام 1870. هذه الدعوة لاقت قبولا واسعا، حيث تبنتها وزارة الثقافة المصرية لاحقا، مما يعكس تأثير دوارة في صياغة السياسات الثقافية المتعلقة بالمسرح.
رحيل يترك فراغا كبيرا
رحيل الدكتور عمرو دوارة ليس خسارة للمسرح المصري فحسب. بل للثقافة المصرية بأكملها. فقد كان نموذجا للفنان الملتزم الذي جمع بين الإبداع الفني. والنقد الواعي، والتوثيق الدقيق. إرثه الضخم، من عروض مسرحية. وكتب، ودراسات نقدية، سيظل مصدر إلهام للأجيال القادمة من الفنانين والنقاد والباحثين. وفي الوقت الذي يودع فيه المسرح المصري أحد أبنائه العظماء، فإن ذكراه. ستظل حية في كل عرض مسرحي يحمل بصمته، وفي كل كتاب يوثق تاريخ هذا الفن العريق.
اليوم، بينما ينعي الدكتور أحمد هنو، وزير الثقافة المصري. الراحل واصفا إياه بأنه “نموذجا للمثقف المخلص لفنه ووطنه” يتراجع جيل كامل من حراس الثقافة الأصيلة، تاركين وراءهم إرثا خالدا. رحل عمرو دوارة جسدا. لكنه بذكره و موسوعاته ومئات تلامذته، سيظل حارس الذاكرة الذي هزم النسيان .
رحم الله الدكتور عمرو دوارة، فقد كان بحق رمزا من رموز المسرح المصري. وستظل أعماله شاهدة على عطائه اللامحدود وإخلاصه لفن المسرح.